مع أنّه لو سلّم لا يجدي القائل بالمفهوم ، لما عرفت أنّه لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الإطلاق من باب الاتّفاق.
[أدلّة المنكرين للمفهوم]
ثمّ إنّه ربما استدلّ المنكرون للمفهوم بوجوه :
أحدها : ما عزي إلى السيّد (١) من أنّ تأثير الشرط إنّما هو تعليق الحكم به ، وليس بممتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه ، ولا يخرج عن كونه شرطا ، فإنّ قوله تعالى : ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ﴾ (٢) يمنع من قبول الشاهد الواحد حتّى ينضمّ إليه شاهد آخر ، فانضمام الثاني إلى الأوّل شرط في القبول ، ثمّ علمنا : أنّ ضمّ امرأتين إلى الشاهد الأوّل شرط في القبول ، ثمّ علمنا : أنّ ضمّ اليمين يقوم مقامه أيضا. فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى ، مثل الحرارة ، فإنّ انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قيام النار مقامها. والأمثلة لذلك كثيرة شرعا وعقلا.
والجواب : أنّه قدس سرّه إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع ، فهو ممّا لا يكاد ينكر ، ضرورة أنّ الخصم يدّعي عدم
__________________
ـ العلّة كي يرد عليه ما ذكره ، لما عرفت أنّ مفاد القضيّة الشرطيّة إنّما هو ترتّب التالي على المقدّم فقط ، لا كون الترتّب بنحو العلّيّة. ولازم ذلك في غير القضايا الشرطيّة المسوقة لبيان تحقّق الحكم بتحقّق موضوعه هو تقيّد الجزاء بوجود الشرط ، وحيث إنّ حال التقييد مع الانحصار وعدمه تختلف ، فيلزم على المولى بيان الخصوصيّة إذا كان في مقام البيان ، وإذا لم يبيّن العدل فيفيد كون الشرط منحصرا. أجود التقريرات ١ : ٤١٩.
وأمّا المحقّق العراقيّ : فأجاب عنه بقوله : «إنّ معنى تعيّن الشرط إنّما هو كونه مؤثّرا بالاستقلال بخصوصيّته الشخصيّة في المشروط. ولازم ذلك ترتّب الانتفاء على الانتفاء ، كان هناك أمر آخر أو لا». نهاية الأفكار ٢ : ٤٨٢.
(١) أي : السيّد المرتضى. فراجع الذريعة إلى اصول الشريعة ١ : ٤٠٦.
(٢) البقرة / ٢٨٢.