المقام الثاني : في المعاملات
ونخبة القول : أنّ النهي الدالّ على حرمتها لا يقتضي الفساد ، لعدم الملازمة فيها ـ لغة ولا عرفا ـ بين حرمتها وفسادها أصلا ، كانت الحرمة متعلّقة بنفس المعاملة بما هي فعل بالمباشرة (١) ، أو بمضمونها بما هي فعل بالتسبيب (٢) ، أو بالتسبّب بها إليه وإن لم يكن السبب ولا المسبّب ـ بما هو فعل من الأفعال ـ بحرام (٣). وإنّما يقتضي الفساد فيما إذا كان دالّا على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحّتها ، مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن في بيع (٤) أو بيع شيء (٥).
نعم ، لا يبعد دعوى ظهور النهي عن المعاملة في الإرشاد إلى فسادها ، كما أنّ الأمر بها يكون ظاهرا في الإرشاد إلى صحّتها من دون دلالته على إيجابها أو استحبابها ، كما لا يخفى. لكنّه في المعاملات بمعنى العقود والإيقاعات ، لا المعاملات بالمعنى الأعمّ المقابل للعبادات.
فالمعوّل هو ملاحظة القرائن في خصوص المقامات ، ومع عدمها لا محيص عن الأخذ بما هو قضيّة صيغة النهي من الحرمة ؛ وقد عرفت أنّها غير مستتبعة للفساد لا لغة ولا عرفا.
نعم ، ربما يتوهّم استتباعها له شرعا من جهة دلالة غير واحد من الأخبار عليه : منها: ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر عليهالسلام : سألته عن مملوك
__________________
(١) لا بما هو سبب ، كالنهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة ، بناء على تعلّق النهي بذوات الألفاظ الّتي توجد بها المعاملة ، لأنّها شاغلة عن صلاة الجمعة.
(٢) كتمليك العبد المسلم الكافر ، فإنّ النهي تعلّق بمضمون المعاملة ، وهو تمليكها من الكافر ، لأنّه مبغوض عند الله تعالى ، لا نفس المعاملة بما أنّها فعل مباشريّ.
(٣) كما إذا تعلّق النهي بتملّك الربا بالبيع والقرض الربويّين ، فإنّ النهي لم يتعلّق بالسبب ـ وهو العقد ـ ، ولا بالمسبّب ـ وهو تملّك الزيادة ، لجواز تملّكها بناقل شرعيّ ـ ، بل تعلّق بالتسبّب بالبيع أو القرض لتملّك الزيادة.
(٤) كبيع المنابذة والملامسة.
(٥) كبيع الميتة وبيع الخنزير.