ومنها : الاستقراء ، فإنّه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب ، كحرمة الصلاة في أيّام الاستظهار وعدم جواز الوضوء من الإنائين المشتبهين.
وفيه : أنّه لا دليل على اعتبار الاستقراء ما لم يفد القطع.
ولو سلّم فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار.
ولو سلّم فليس حرمة الصلاة في تلك الأيّام ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطا بالمقام ، لأنّ حرمة الصلاة فيها إنّما تكون لقاعدة الإمكان (١) والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضا ، فيحكم بجميع أحكامه ومنها حرمة الصلاة عليها ، لا لأجل تغليب جانب الحرمة كما هو المدّعى. هذا لو قيل بحرمتها الذاتيّة في أيّام الحيض ، وإلّا فهو خارج عن محلّ الكلام.
ومن هنا انقدح : أنّه ليس منه (٢) ترك الوضوء من الإنائين ، فإنّ حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلّا تشريعيّا ، ولا تشريع فيما لو توضّأ منهما احتياطا ، فلا حرمة في البين غلب جانبها. فعدم جواز الوضوء منهما
__________________
ـ القدرة على الموافقة القطعيّة ـ ، كالمرأة المردّدة بين من يجب وطؤها ومن يحرم لأجل الحلف.
وأمّا في المقام : فلا يجدي ، لجريان أصل البراءة عن حرمة الصلاة. ومع جريانه لا مانع من الحكم بصحّتها أصلا ، ضرورة أنّ المانع عنه إنّما هو الحرمة الفعليّة ، والمفروض أنّها مرتفعة بأصالة البراءة عن الحرمة ، وهي بعد ارتفاعها قابلة للتقرّب بها ، فتقع صحيحة.
ولمّا كان المقام غير داخل في كبرى مسألة الأقلّ والأكثر فلا يتوقّف جريان البراءة عن الحرمة على جريانها في موارد الشكّ في الأجزاء والشرائط ، بل تجري في المقام ولو قلنا بعدم جريانها في تلك الموارد. والوجه في ذلك أنّه ليس الشكّ هنا في مانعيّة شيء عن المأمور به واعتبار عدمه فيه ، بل الشكّ إنّما هو في حرمة هذه الحركات.
نعم ، لو قلنا بأنّ المفسدة الواقعيّة الغالبة مؤثّرة في المبغوضيّة ولو لم تكن محرزة فلا تجري أصالة البراءة ، بل لا مناص من الالتزام بقاعدة الاشتغال ، لأنّ مع احتمال غلبة المفسدة في الواقع لا يمكن قصد القربة.
(١) ومضمونها : «كلّ دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض».
(٢) أي : من محلّ الكلام. وهو دوران الأمر بين الوجوب والحرمة.