فكما لا تكون الفرعيّة مانعة عن مطلوبيّته (١) قبله وبعده (٢) ، كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيّته (٣) ، وإن كان العقل يحكم بلزومه إرشادا إلى اختيار أقلّ المحذورين وأخفّ القبيحين.
ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلّصا عن المهلكة ، وأنّه إنّما يكون مطلوبا على كلّ حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار ، وإلّا فهو على ما هو عليه من الحرمة ، وإن كان العقل يلزمه إرشادا إلى ما هو أهمّ وأولى بالرعاية من تركه ، لكون الغرض فيه أعظم. فمن ترك الاقتحام فيما يؤدّي إلى هلاك النفس ، أو شرب الخمر لئلّا يقع في أشدّ المحذورين منهما ، فيصدق أنّه تركهما ولو بتركه ما لو فعله لأدّى لا محالة إلى أحدهما ، كسائر الأفعال التوليديّة ، حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى أسبابها واختيار تركها بعدم العمد إلى الأسباب. وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج وإن كان لازما عقلا للفرار عمّا هو أكثر عقوبة.
ولو سلّم عدم الصدق إلّا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع فهو غير ضائر بعد تمكّنه من الترك ـ ولو على نحو هذه السالبة ـ ومن الفعل بواسطة تمكّنه ممّا هو من قبيل الموضوع (٤) في هذه السالبة فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر ويتخلّص بالخروج أو يختار ترك الدخول والوقوع فيها (٥) ، لئلّا يحتاج إلى التخلّص والعلاج.
إن قلت : كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعا ومعاقبا عليه عقلا مع بقاء ما يتوقّف عليه على وجوبه ، وسقوط الوجوب (٦) مع امتناع المقدّمة
__________________
(١) أي : عن مطلوبيّة البقاء.
(٢) أي : قبل الدخول وبعد الدخول.
(٣) أي : مطلوبيّة الخروج.
(٤) وهو الدخول.
(٥) وفي بعض النسخ : «فيهما» ، والأولى ما أثبتناه ، فإنّ الضمير يرجع إلى المهلكة.
(٦) وفي بعض النسخ : «لسقوط الوجوب» ، وفي بعض آخر : «ووضوح سقوط الوجوب». ومعنى العبارة ـ على ما في المتن ـ : والحال أنّ وجوب ذي المقدّمة يسقط مع امتناع المقدّمة المنحصرة. ـ