[القول بالجواز عقلا والامتناع عرفا]
بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا(١).
وفيه : أنّه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع إلّا طريق العقل ، فلا معنى لهذا التفصيل إلّا ما أشرنا إليه من النظر المسامحيّ غير المبتني على التدقيق والتحقيق. وأنت خبير بعدم العبرة به بعد الاطّلاع على خلافه بالنظر الدقيق.
وقد عرفت فيما تقدّم (٢) : أنّ النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الأمر والنهي ، بل في الأعمّ (٣). فلا مجال لأن يتوهّم أنّ العرف هو المحكّم في تعيين المداليل ؛ ولعلّه (٤) كان بين مدلوليهما حسب تعيينه تناف لا يجتمعان في واحد ولو بعنوانين وإن كان العقل يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين (٥). فتدبّر.
__________________
(١) وهو الظاهر من كلام المحقّق الأردبيليّ في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١١٢.
وأنكر الشيخ الأنصاريّ نسبة هذا القول إلى المحقّق الأردبيليّ ، ونسبه إلى السيّد الطباطبائيّ ـ صاحب الرياض ـ ، واستظهره من المحقّق القميّ وسلطان العلماء. راجع مطارح الأنظار : ١٥٠.
(٢) تقدّم في الأمر الرابع من الامور المتقدّمة على الخوض في المقصود. راجع الصفحة : ١٧.
(٣) أي : الأعمّ من مدلول الصيغة ومدلول الدليل اللبّي كالإجماع.
(٤) هذا من تتمّة التوهّم.
(٥) حاصل التوهّم : أنّ المجمع ذا العنوانين متعدّد عند العقل كما أنّه واحد عند العرف. فما يراه العقل بالدقّة متعدّدا يراه العرف واحدا. ولذا جوّز العقل اجتماع الأمر والنهي في المجمع ذي العنوانين ، بخلاف العرف ، فإنّه استحال اجتماعهما فيه.
وحاصل الجواب : أنّ الجواز والامتناع في المقام من أحكام العقل ، إذ الحاكم بارتفاع غائلة اجتماع الضدّين وعدم ارتفاعها هو العقل. ولا سبيل للعرف إلى الدقّيات العقليّة ، بل إنّما يرجع إليه في تعيين مفاهيم الألفاظ ، وأمّا في غيرها من الأحكام العقليّة فلا طريق للعرف إلّا الرجوع إلى العقل. وعليه فلا معنى لحكم العرف بامتناع اجتماع الأمر والنهي وهو من الأحكام العقليّة.