٩. المقدّمة العباديّة
ثبت بالدليل أنّ بعض المقدّمات الشرعيّة لا تقع (١) مقدّمة إلاّ إذا وقعت على وجه عباديّ ، وثبت أيضا ترتّب الثواب عليها بخصوصها. ومثالها منحصر في الطهارات الثلاث : الوضوء ، والغسل ، والتيمّم.
وقد سبق في الأمر الثاني (٢) الإشكال فيها من جهتين : من جهة أنّ الواجب الغيريّ لا يكون إلاّ توصّليّا ، فكيف يجوز أن تقع المقدّمة بما هي مقدّمة عبادة؟! ومن جهة ثانية : أنّ الواجب الغيريّ بما هو واجب غيريّ لا استحقاق للثواب عليه.
وفي الحقيقة إنّ هذا الإشكال ليس إلاّ إشكالا على أصولنا التي أصّلناها للواجب الغيريّ ، فنقع في حيرة في التوفيق بين ما فهمناه عن الواجب الغيريّ ، وبين عباديّة هذه المقدّمات الثابتة عباديّتها ، وإلاّ فكون هذه المقدّمات عباديّة يستحقّ الثواب عليها أمر مفروغ عنه ، لا يمكن رفع اليد عنه.
فإذن ، لا بدّ لنا من توضيح ما أصّلناه في الواجب الغيريّ بتوجيه عباديّة المقدّمة على وجه يلائم توصّليّة الأمر الغيريّ ، وقد ذهبت الآراء أشتاتا في توجيه ذلك.
ونحن نقول على الاختصار : إنّه من المتيقّن ـ الذي لا ينبغي أن يتطرّق إليه الشكّ من أحد ـ أنّ الصلاة ـ مثلا ـ ثبت من طريق الشرع توقّف صحّتها على إحدى الطهارات الثلاث ، ولكن لا تتوقّف على مجرّد أفعالها كيفما اتّفق وقوعها ، بل إنّما تتوقّف على فعل الطهارة إذا وقع على الوجه العباديّ ، أي إذا وقع متقرّبا به إلى الله (تعالى) ، فالوضوء العباديّ ـ مثلا ـ هو الشرط ، وهو المقدّمة التي تتوقّف صحّة الصلاة عليها.
وعليه ، فلا بدّ أن يفرض الوضوء عبادة قبل فرض تعلّق الأمر الغيريّ به ؛ لأنّ الأمر الغيريّ ـ حسبما فرضناه ـ إنّما يتعلّق بالوضوء العباديّ بما هو عبادة ، لا بأصل الوضوء بما هو ؛ فلم تنشأ عباديّته من الأمر الغيريّ حتّى يقال : «إنّ عباديّته لا تلائم توصّليّة الأمر
__________________
(١) التأنيث باعتبار ما أضيفت إليه كلمة «بعض».
(٢) هذا سهو من المصنّف رحمهالله. والصواب : «الأمر الثالث». فراجع الصفحة : ٢٧٢ ـ ٢٧٣.