وكذلك هنا نقول في الواجب النفسيّ ؛ فإنّ معنى «ما وجب لنفسه» أنّ وجوبه غير مستفاد من الغير ولا لأجل الغير في قبال الواجب الغيريّ الذي وجوبه لأجل الغير ، لا أنّ وجوبه مستفاد من نفسه.
وبهذا يتّضح معنى تعريف الواجب الغيريّ «ما وجب لواجب آخر» ؛ فإنّ معناه أنّ وجوبه لأجل الغير وتابع للغير ؛ لكونه مقدّمة لذلك الغير الواجب. وسيأتي في البحث الآتي توضيح معنى التبعيّة هذه ليتجلّى لنا المقصود من الوجوب الغيريّ في الباب.
٢. معنى التبعيّة في الوجوب الغيريّ :
قد شاع في تعبيراتهم كثيرا قولهم : «إنّ الواجب الغيريّ تابع في وجوبه لوجوب غيره» ، ولكن هذا التعبير مجمل جدّا ؛ لأنّ التبعيّة في الوجوب يمكن أن تتصوّر لها معان أربعة ، فلا بدّ من بيانها ، وبيان المعنى المقصود منها هنا ، فنقول :
١. أن يكون معنى الوجوب التبعيّ هو الوجوب بالعرض. ومعنى ذلك أنّه ليس في الواقع إلاّ وجوب واحد حقيقيّ ـ وهو الوجوب النفسيّ ـ ينسب إلى ذي المقدّمة أوّلا وبالذات ، وإلى المقدّمة ثانيا وبالعرض. وذلك نظير الوجود بالنسبة إلى اللفظ والمعنى حينما يقال : «المعنى موجود باللفظ» ، فإنّ المقصود بذلك أنّ هناك وجودا واحدا حقيقيّا ينسب إلى اللفظ أوّلا وبالذات ، وإلى المعنى ثانيا وبالعرض.
ولكن هذا الوجه من التبعيّة لا ينبغي أن يكون هو المقصود من التبعيّة هنا ؛ لأنّ المقصود من الوجوب الغيريّ وجوب حقيقيّ آخر يثبت للمقدّمة غير وجوب ذيها النفسيّ ، بأن يكون لكلّ من المقدّمة وذيها وجوب قائم به حقيقة. ومعنى التبعيّة في هذا الوجه أنّ الوجوب الحقيقيّ واحد ويكون الوجوب الثاني وجوبا مجازيّا. على أنّ هذا الوجوب بالعرض ليس وجوبا يزيد على اللابدّيّة العقليّة للمقدّمة حتّى يمكن فرض النزاع فيه نزاعا عمليّا.
٢. أن يكون معنى التبعيّة صرف التأخّر في الوجود ، فيكون ترتّب الوجوب الغيريّ على الوجوب النفسيّ نظير ترتّب أحد الوجودين المستقلّين على الآخر ، بأن يفرض البعث الموجّه للمقدّمة بعثا مستقلاّ ، ولكنّه بعد البعث نحو ذيها ، مرتّب عليه في الوجود ، فيكون