من المسائل الأصوليّة.
ولذا تجد أنّ أهمّ مباحث مسألتنا هي هذه الأمور المنوّه عنها وأمثالها. أمّا نفس البحث عن أصل الملازمة فيكاد يكون بحثا على الهامش ، بل آخر ما يشغل بال الأصوليّين.
هذا ، ونحن اتّباعا لطريقتهم نضع التمهيدات قبل البحث عن أصل المسألة في أمور تسعة :
١. الواجب النفسيّ والغيريّ
تقدّم في الجزء الأوّل (١) معنى الواجب النفسيّ والغيريّ ، ويجب توضيحهما الآن ؛ فإنّه هنا موضع الحاجة لبحثهما ؛ لأنّ الوجوب الغيريّ هو نفس وجوب المقدّمة ـ على تقدير القول بوجوبها ـ ، وعليه فنقول في تعريفهما :
الواجب النفسيّ ما وجب لنفسه لا لواجب آخر.
الواجب الغيريّ ما وجب لواجب آخر.
وهذان التعريفان أسدّ التعريفات لهما وأحسنها (٢) ، ولكن يحتاجان إلى بعض من التوضيح ، فإنّ قولنا : «ما وجب لنفسه» قد يتوّهم منه المتوهّم لأوّل نظرة أنّ العبارة تعطي أنّ معناها أن يكون وجوب الشيء علّة لنفسه في الواجب النفسيّ ، وذلك بمقتضى المقابلة لتعريف الواجب الغيريّ إذ يستفاد منه أنّ وجوب الغير علّة لوجوبه ، كما عليه المشهور (٣). ولا شكّ في أنّ هذا محال في الواجب النفسيّ ؛ إذ كيف يكون الشيء علّة لنفسه؟!
ويندفع هذا التوهّم بأدنى تأمّل ، فإنّ ذلك التعبير عن الواجب النفسيّ صحيح لا غبار عليه ، وهو نظير تعبيرهم عن الله (تعالى) بأنّه «واجب الوجود لذاته» ؛ فإنّ غرضهم منه أنّ وجوده ليس مستفادا من الغير ولا لأجل الغير كالممكن ، لا أنّ معناه أنّه معلول لذاته.
__________________
(١) تقدّم في الصفحة : ٩٢.
(٢) وهما منسوبان إلى الشهرة في أجود التقريرات ١ : ٢٤٢. وقد ذكر لهما تعريفات أخر ، فراجع مطارح الأنظار : ٦٦ ؛ الفصول الغرويّة : ٨٠ ؛ كفاية الأصول : ١٣٥ ؛ فوائد الأصول ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ ؛ نهاية الأصول : ١٦٦ و ١٦٩.
(٣) نسب إلى المشهور في المحاضرات ٢ : ٣٨٧.