يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع ، وإن لم تحدث مصلحة في نفس الفعل الذي أدّت الأمارة إلى وجوبه (١) ـ فهذا قول لبعض الإماميّة (٢) ؛ لتصحيح جعل الطرق والأمارات في فرض التمكّن من تحصيل العلم ، على ما سيأتي بيانه في محلّه إن شاء الله (تعالى). (٣)
ولكنّه ـ على تقدير صحّة هذا القول ـ لا يقتضي الإجزاء أيضا ؛ لأنّه على فرضه تبقى مصلحة الواقع على ما هي عليه عند انكشاف خطأ الأمارة في الوقت أو في خارجه.
توضيح ذلك أنّ المصلحة السلوكيّة المدّعاة هي مصلحة تدارك الواقع باعتبار أنّ الشارع لمّا جعل الأمارة في حال تمكّن المكلّف من تحصيل العلم بالواقع ؛ فإنّه قد فوّت عليه الواقع ، فلا بدّ من فرض تداركه بمصلحة تكون في نفس اتّباع الأمارة ، واللازم من المصلحة التي يتدارك بها الواقع أن تقدّر بقدر ما فات من الواقع من مصلحة لا أكثر. وعند انكشاف الخطأ في الوقت لم يفت من مصلحة الواقع إلاّ مصلحة فضيلة أوّل الوقت ، وعند انكشاف الخطأ في خارج الوقت لم تفت إلاّ مصلحة الوقت. أمّا مصلحة أصل الفعل فلم تفت من المكلّف ؛ لإمكان تحصيلها بعد الانكشاف ، فما هو الملزم للقول بحصول مصلحة يتدارك بها أصل مصلحة الفعل حتّى يلزم الإجزاء؟!
وأمّا في «الموضوعات» (٤) : فالظاهر أنّ المعروف عندهم أنّ الأمارة فيها قد أخذت على نحو «الطريقية» (٥) ، كقاعدة اليد ، والصحّة ، وسوق المسلمين ، ونحوها ، فإن أصابت الواقع فذاك ، وإن أخطأت فالواقع على حاله ، ولا تحدث بسببها مصلحة يتدارك بها مصلحة
__________________
(١) توضيح ذلك : أنّ قيام الأمارة سبب لإحداث مصلحة في السلوك على وفقها غير مصلحة الواقع ، بل الواقع باق على ما كان عليه ، وبالعمل على طبق الأمارة تحصل مصلحة السلوك وتفوت مصلحة الواقع ، فبمصلحة السلوك يتدارك مصلحة الفائتة من الواقع من دون تغيّر الواجب الواقعيّ.
(٢) هذا ما ذهب إليه الشيخ الأنصاريّ وحمل عليه كلام الشيخ الطوسي في العدّة والعلاّمة في النهاية. راجع ، فرائد الأصول ١ : ٤١ ـ ٤٢.
(٣) يأتي في مقدّمة المقصد الثالث ، المبحث ١٤ «المصلحة السلوكيّة».
(٤) كما إذا قامت البيّنة على نجاسة الماء ، فصلّى مع التيمّم ، ثمّ انكشف مخالفة البيّنة للواقع وأنّ الماء كان طاهرا.
(٥) كفاية الأصول : ١١١ ، فوائد الأصول ١ : ٢٤٨ ، نهاية الدراية ١ : ٢٧٨.