به الأمر ، وفي كونه قبيحا أن يتعلّق به النهي ـ حسب الفرض ـ ، [وهما] ثابتان وجدانا ، ولا حاجة إلى فرض ثبوت مدح وذمّ من الشارع.
وهذا الكلام ـ في الحقيقة ـ يرجع إلى أصل النزاع في معنى الحسن والقبح ، فيكون الدليل وجوابه صرف دعوى ومصادرة على المطلوب ؛ لأنّ المستدلّ يرجع قوله إلى أنّه يجب المدح والذمّ عقلا ، لأنّهما واجبان في اتّصاف الشيء بالحسن والقبح ، والمجيب يرجع قوله إلى أنّهما لا يجبان عقلا ، لأنّهما غير واجبين في الحسن والقبح.
والأحسن تصوير الدليل على وجه آخر ، فنقول :
إنّه من المسلّم عند الطرفين وجوب طاعة الأوامر والنواهي الشرعيّة ، وكذلك وجوب المعرفة. وهذا الوجوب عند الأشاعرة وجوب شرعيّ حسب دعواهم ، فنقول لهم : من أين يثبت هذا الوجوب؟ لا بدّ أن يثبت بأمر من الشارع ؛ فننقل الكلام إلى هذا الأمر ، فنقول لهم : من أين تجب طاعة هذا الأمر؟ فإن كان هذا الوجوب عقليّا فهو المطلوب ، وإن كان شرعيّا أيضا فلا بدّ له من أمر ولا بدّ له من طاعة ، فننقل الكلام إليه ... وهكذا نمضي إلى غير النهاية ، ولا نقف حتّى ننتهي إلى طاعة وجوبها عقليّ لا يتوقّف على أمر الشارع ، وهو المطلوب.
بل ثبوت الشرائع من أصلها يتوقّف على التحسين والتقبيح العقليّين ، ولو كان ثبوتها من طريق شرعيّ ، لاستحال ثبوتها ؛ لأنّا ننقل الكلام إلى هذا الطريق الشرعيّ فيتسلسل إلى غير النهاية.
والنتيجة أنّ ثبوت الحسن والقبح شرعا يتوقّف على ثبوتهما عقلا.
المبحث الثاني : إدراك العقل للحسن والقبح
بعد ما تقدّم من ثبوت الحسن والقبح العقليّين في الأفعال ، فقد نسب بعضهم (١) إلى جماعة
__________________
(١) لم أعثر على من نسبه إليهم صريحا. قال الشيخ الأنصاريّ في فرائد الأصول ١ : ١٥ : «وينسب إلى غير واحد من أصحابنا الأخباريّين عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة القطعيّة غير الضروريّة». ـ