للملاءمة واستقباح المفسدة للمنافرة.
وهذا المعنى من الحسن والقبح أيضا ليس للأشاعرة فيه نزاع ، بل هما عندهم بهذا المعنى عقليّان ، (١) أي ممّا يدركه العقل من غير توقّف على حكم الشرع. ومن توهّم أنّ النزاع بين القوم في هذا المعنى ، فقد ارتكب شططا ولم يفهم كلامهم.
ثالثا : أنّهما يطلقان ويراد بهما المدح والذمّ ، ويقعان وصفا بهذا المعنى للأفعال الاختياريّة فقط. ومعنى ذلك : أنّ الحسن ما استحقّ فاعله عليه المدح والثواب عند العقلاء كافّة ، والقبيح ما استحقّ عليه فاعله الذمّ والعقاب عندهم كافّة.
وبعبارة أخرى : إنّ الحسن ما ينبغي فعله عند العقلاء ـ أي إنّ العقل عند الكلّ يدرك أنّه ينبغي فعله ـ ، والقبيح ما ينبغي تركه عندهم ، أي إنّ العقل عند الكلّ يدرك أنّه لا ينبغي فعله أو ينبغي تركه.
وهذا الإدراك للعقل هو معنى حكمه بالحسن والقبح ، وسيأتي توضيح هذه النقطة ، فإنّها مهمّة جدّا في الباب.
وهذا المعنى الثالث هو موضوع النزاع (٢) فالأشاعرة أنكروا أن يكون للعقل إدراك ذلك من دون الشرع ، وخالفتهم العدليّة ، فأعطوا للعقل هذا الحقّ من الإدراك.
تنبيه : وممّا يجب أن يعلم هنا أنّ الفعل الواحد قد يكون حسنا أو قبيحا بجميع المعاني الثلاثة ، كالتعلّم والحلم والإحسان ، فإنّها كمال للنفس ، وملائمة لها باعتبار ما لها من نفع ومصلحة ، وممّا ينبغي أن يفعلها الإنسان عند العقلاء.
وقد يكون الفعل حسنا بأحد المعاني ، قبيحا أو ليس بحسن بالمعنى الآخر ، كالغناء ـ مثلا ـ ، فإنّه حسن بمعنى الملاءمة للنفس ، ولذا يقولون عنه : «إنّه غذاء للروح» (٣) ، وليس حسنا بالمعنى الأوّل أو الثالث ، فإنّه لا يدخل عند العقلاء بما هم عقلاء فيما ينبغي أن يفعل
__________________
(١) كما اعترفوا به في كتبهم ، انظر التعليقة رقم (١) من الصفحة : ٢٢٦.
(٢) كما اعترفوا بذلك. راجع المصادر الواردة في التعليقة رقم (١) من الصفحة : ٢٢٦.
(٣) كأنّ هذا التعبير يريد أن يحاول قائلوه به دعوى أنّ الغناء كمال للنفس في سماعه وهو مغالطة وإيهام منهم. ـ منه رحمهالله ـ.