قبيح» ... وهكذا. وكلّ ذلك ؛ لأنّ النفس تتألّم أو تشمئزّ من ذلك.
فيرجع معنى الحسن والقبح ـ في الحقيقة ـ إلى معنى اللذّة والألم ، أو فقل : «إلى معنى الملاءمة للنفس وعدمها» ، ما شئت فعبّر ، فإنّ المقصود واحد.
ثمّ إنّ هذا المعنى من الحسن والقبح يتّسع إلى أكثر من ذلك ؛ فإنّ الشيء قد لا يكون في نفسه ما يوجب لذّة أو ألما ، ولكنّه بالنظر إلى ما يعقبه من أثر تلتذّ به النفس أو تتألّم منه يسمّى أيضا : «حسنا» أو «قبيحا» ، بل قد يكون الشيء في نفسه قبيحا تشمئزّ منه النفس ، كشرب الدواء المرّ ، ولكنّه باعتبار ما يعقبه من الصحّة والراحة ـ التي هي أعظم بنظر العقل من ذلك الألم الوقتيّ ـ يدخل فيما يستحسن ، كما قد يكون الشيء بعكس ذلك حسنا تلتذّ به النفس ، كالأكل اللذيذ المضرّ بالصحّة ، ولكن باعتبار ما يعقبه ـ من مرض أعظم من اللذّة الوقتيّة ـ يدخل فيما يستقبح.
والإنسان بتجاربه الطويلة وبقوّة تمييزه العقليّ يستطيع أن يصنّف الأشياء والأفعال إلى ثلاثة أصناف : ما يستحسن ، وما يستقبح ، وما ليس له هاتان المزيّتان. ويعتبر هذا التقسيم بحسب ما له من الملاءمة والمنافرة ولو بالنظر إلى الغاية القريبة أو البعيدة التي هي قد تسمو (١) عند العقل على ما له من لذّة وقتيّة أو ألم وقتيّ ، كمن يتحمّل المشاقّ الكثيرة ويقاسي الحرمان في سبيل طلب العلم ، أو الجاه ، أو الصحّة ، أو المال ، وكمن يستنكر بعض اللذّات الجسديّة استكراها لشؤم عواقبها.
وكلّ ذلك يدخل في الحسن والقبح بمعنى الملائم وغير الملائم ، قال القوشجيّ في شرحه للتجريد عن هذا المعنى : «وقد يعبّر عنهما ـ أي الحسن والقبح ـ بالمصلحة والمفسدة فيقال : الحسن ما فيه مصلحة ، والقبيح ما فيه مفسدة ، وما خلا منهما لا يكون شيئا منهما» (٢).
وهذا راجع إلى ما ذكرناه ، وليس المقصود أنّ للحسن والقبح معنى آخر ـ بمعنى ما له المصلحة أو المفسدة ـ غير معنى الملاءمة والمنافرة ، فإنّ استحسان المصلحة إنّما يكون
__________________
(١) أي ترتفع.
(٢) شرح التجريد للقوشجيّ ٣٣٨. وهكذا قال أيضا السيّد الشريف في شرح المواقف ٨ : ١٩٢.