أفراد العامّ موجبا لصرف ظهور العموم ؛ إذ لا يلزم من تعيّن البعض ـ من جهة مرجعيّة الضمير بقرينة ـ أن يتعيّن إرادة البعض من جهة حكم العامّ الثابت له بنفسه ؛ لأنّ الحكم في الجملة المشتملة على الضمير غير الحكم في الجملة المشتملة على العامّ ، ولا علاقة بينهما ، فلا يكون عود الضمير إلى بعض العامّ من القرائن التي تصرف ظهوره عن عمومه. واعتبر ذلك في المثال ، فلو قال المولى : «العلماء يجب إكرامهم» ثمّ قال : «وهم يجوز تقليدهم» وأريد من ذلك «العدول» بقرينة ، فإنّه واضح في هذا المثال أنّ تقييد الحكم الثاني بالعدول لا يوجب تقييد الحكم الأوّل بذلك ، بل ليس فيه إشعار به. ولا يفرق في ذلك بين أن يكون التقييد بمتّصل ، كما في مثالنا ، أو بمنفصل كما في الآية.
٨. تعقيب الاستثناء لجمل متعدّدة
وقد ترد عمومات متعدّدة في كلام واحد ثمّ يتعقّبها استثناء في آخرها ، فيشكّ حينئذ في رجوع الاستثناء لخصوص الجملة الأخيرة أو لجميع الجمل.
مثاله قوله (تعالى) : ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (*﴾ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا﴾ (١) ، فإنّه يحتمل أن يكون هذا الاستثناء من الحكم الأخير فقط ، وهو فسق هؤلاء ، ويحتمل أن يكون استثناء منه ومن الحكم بعدم قبول شهادتهم والحكم بجلدهم الثمانين. واختلف العلماء في ذلك على أربعة أقوال :
١. ظهور الكلام في رجوع الاستثناء إلى خصوص الجملة الأخيرة ، وإن كان رجوعه إلى غير الأخيرة ممكنا ، ولكنّه يحتاج إلى قرينة عليه. (٢)
٢. ظهوره في رجوعه إلى جميع الجمل ؛ وتخصيصه بالأخيرة فقط هو الذي يحتاج
__________________
(١) النور (٢٤) : الآية ٤ و ٥.
(٢) نسبه الشيخ الطوسيّ إلى السيّد المرتضى ، فراجع العدّة ١ : ٣٢١. ولكن في نسبته إليه نظر.
وذهب إلى رجوعه إلى خصوص الأخيرة أبو حنيفة على ما في الإحكام (للآمدي) ٢ : ٤٣٨ ، والعلاّمة في مبادئ الوصول : ١٣٦ ، وصاحب الفصول في الفصول : ٢٠٤.