وحكم واحد عند فرض اجتماعها ، فتتداخل الأسباب.
وعلى هذا ، فيقع التنافي بين هذين الظهورين ، فإذا قدّمنا الظهور الأوّل لا بدّ أن نقول بعدم التداخل ، وإذا قدّمنا الظهور الثاني لا بدّ أن نقول بالتداخل ، فأيّهما أولى بالتقديم؟ والأرجح أنّ الأولى بالتقديم ظهور الشرط على ظهور الجزاء ؛ لأنّ الجزاء لمّا كان معلّقا على الشرط فهو تابع له ثبوتا وإثباتا ، فإن كان واحدا كان الجزاء واحدا وإن كان متعدّدا كان متعدّدا. وإذا كان المقدّم متعدّدا ـ حسب فرض ظهور الشرطيّتين ـ كان الجزاء تابعا له ؛ وعليه ، لا يستقيم للجزاء ظهور في وحدة المطلوب ؛ فيخرج المقام عن باب التعارض بين الظهورين ، بل يكون الظهور في التعدّد رافعا للظهور في الوحدة ؛ لأنّ الظهور في الوحدة لا يكون إلاّ بعد فرض سقوط الظهور في التعدّد ، أو بعد فرض عدمه ، أمّا مع وجوده فلا ينعقد الظهور في الوحدة.
فالقاعدة في المقام ـ إذن ـ هي «عدم التداخل». وهو مذهب أساطين العلماء الأعلام (قدّس الله أسرارهم) (١).
تنبيهان
١. تداخل المسبّبات
إنّ البحث في المسألة السابقة إنّما هو عمّا إذا تعدّدت الأسباب فيتساءل فيها عمّا إذا كان تعدّدها يقتضي المغايرة في الجزاء وتعدّد المسبّبات ـ بالفتح ـ أو لا يقتضي فتتداخل الأسباب ، وينبغي أن تسمّى بـ «مسألة تداخل الأسباب».
وبعد الفراغ عن عدم تداخل الأسباب هناك ينبغي أن يبحث أنّ تعدّد المسبّبات إذا
__________________
(١) بل هو منسوب إلى المشهور. راجع مطارح الأنظار : ١٧٥ ؛ كفاية الأصول : ٢٣٩ ـ ٢٤٢ ؛ نهاية الأفكار ٢ : ٤٨٩ ؛ فوائد الأصول ٢ : ٤٩٣ ؛ المحاضرات ٥ : ١١٨.
وفي المقام قولان آخران : أحدهما : التداخل ، كما ذهب إليه العلاّمة الخوانساريّ في مشارق الشموس : ٦١. ثانيهما : التفصيل بين ما إذا تعدّدت الأسباب نوعا أو جنسا ، وبين ما إذا تعدّدت شخصا ، فالقاعدة على الأوّل عدم التداخل وعلى الثاني التداخل ، وهذا مذهب الحلّي (ابن إدريس) في السرائر ١ : ٢٥٨.