إذن ، ما معنى النّزاع في حجيّة المفهوم حينما يقولون مثلا : هل مفهوم الشرط حجّة أو لا؟
وعلى تقديره ، لا يدخل هذا النزاع في مباحث الألفاظ التي كان الغرض منها تشخيص الظهور في الكلام وتنقيح صغريات حجيّة الظهور ، بل ينبغي أن يدخل في مباحث الحجّة ، كالبحث عن حجّيّة الظهور وحجّيّة الكتاب ونحو ذلك.
والجواب أنّ النزاع هنا في الحقيقة إنّما هو في وجود الدلالة على المفهوم ، ـ أي في أصل ظهور الجملة فيه وعدم ظهورها ـ. وبعبارة أوضح : النزاع هنا في حصول المفهوم للجملة لا في حجّيّته بعد فرض حصوله.
فمعنى النزاع في مفهوم الشرط ـ مثلا ـ أنّ الجملة الشرطيّة مع قطع النظر عن القرائن الخاصّة هل تدلّ على انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط؟ وهل هي ظاهرة في ذلك؟ لا أنّه بعد دلالتها على هذا المفهوم وظهورها فيه يتنازع في حجّيته ، فإنّ هذا لا معنى له ، وإن أوهم ذلك ظاهر بعض تعبيراتهم ، كما يقولون مثلا : «مفهوم الشرط حجّة أم لا؟». ولكن غرضهم ما ذكرنا.
كما أنّه لا نزاع في دلالة بعض الجمل على مفهوم لها إذا كانت لها قرينة خاصّة على ذلك المفهوم ، فإنّ هذا ليس موضع كلامهم ؛ بل موضوع الكلام ومحلّ النزاع في دلالة نوع تلك الجملة ، كنوع الجملة الشرطيّة على المفهوم مع تجرّدها عن القرائن الخاصّة.
٣. أقسام المفهوم
ينقسم المفهوم إلى مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة :
١. مفهوم الموافقة ما كان الحكم في المفهوم موافقا في السنخ للحكم الموجود في المنطوق ، فإن كان الحكم في المنطوق الوجوب ـ مثلا ـ كان في المفهوم الوجوب أيضا ، وهكذا ، كدلالة الأولويّة في مثل قوله (تعالى) : ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ﴾ (١) على النهي عن الضرب والشتم للأبوين ، ونحو ذلك ممّا هو أشدّ إهانة وإيلاما من التأفيف المحرّم بحكم الآية.
__________________
(١) الإسراء (١٧) الآية : ٢٣.