عنه والمنهيّ. فإذا صدرت ممّن تجب طاعته ويجب الانزجار بزجره والانتهاء عمّا نهى عنه ولم ينصب قرينة على جواز الفعل كان مقتضى وجوب طاعة هذا المولى وحرمة عصيانه عقلا ـ قضاء لحقّ العبوديّة والمولويّة ـ عدم جواز ترك الفعل الذي نهى عنه إلاّ مع الترخيص من قبله.
فيكون ـ على هذا ـ نفس صدور النهي من المولى بطبعه مصداقا لحكم العقل بوجوب الطاعة وحرمة المعصية ، فيكون النهي مصداقا للتحريم حسب ظهوره الإطلاقيّ ، لا أنّ التحريم ـ الذي هو مفهوم اسميّ ـ وضعت له الصيغة واستعملت فيه.
والكلام هنا كالكلام في صيغة «افعل» بلا فرق من جهة الأقوال والاختلافات.
٤. ما المطلوب في النهي؟
كلّ ما تقدّم ليس فيه خلاف جديد غير الخلاف الموجود في صيغة «افعل». وإنّما اختصّ النهي في خلاف واحد ، وهو أنّ المطلوب في النهي هل هو مجرّد الترك (١) أو كفّ النفس عن الفعل (٢)؟. والفرق بينهما أنّ المطلوب على القول الأوّل أمر عدميّ محض ، والمطلوب على القول الثاني أمر وجوديّ ؛ لأنّ الكفّ فعل من أفعال النفس.
والحقّ هو القول الأوّل.
ومنشأ القول الثاني توهّم هذا القائل أنّ الترك ـ الذي معناه إبقاء عدم الفعل المنهيّ عنه على حاله ـ ليس بمقدور للمكلّف ؛ لأنّه أزليّ خارج عن القدرة ، فلا يمكن تعلّق الطلب به.
والمعقول من النهي أن يتعلّق فيه الطلب بردع النفس وكفّها عن الفعل ، وهو فعل نفسانيّ يقع تحت الاختيار.
والجواب عن هذا التوهّم أنّ عدم المقدوريّة في الأزل على العدم لا ينافي المقدوريّة
__________________
(١) ذهب إليه أكثر الإماميّة ، فراجع معالم الدين : ١٠٤ ؛ قوانين الأصول ١ : ١٣٧ ؛ الفصول الغرويّة : ١٢٠ ؛ كفاية الأصول : ١٨٣ ؛ فوائد الأصول ٢ : ٣٩٤.
(٢) ذهب إليه كثير من العامّة ، فراجع : شرح العضدي ١ : ١٠٣ ؛ المحصول في علم أصول الفقه (الرازي) ١ : ٣٥٠ ؛ نهاية السئول ٢ : ٢٩٣ ؛ إرشاد الفحول : ١٠٩ ؛ منتهى الوصول والأمل : ١٠٠.