ـ وذهب المعتزلة وجماعة من المتقدّمين من أصحابنا إلى الثاني (١).
والحقّ هو القول الأوّل. وللعلماء أقوال أخر فيها تفصيلات بين هذين القولين لا يهمّنا التعرّض لها (٢) بعد اتّضاح الحقّ فيما يأتي.
وأهمّ شيء يعنينا في هذه المسألة ـ قبل بيان الحقّ فيها وهو أصعب ما فيها ـ أن نفهم محلّ النزاع وموضع النفي والإثبات. ولأجل أن يتّضح في الجملة موضع الخلاف نذكر مثالا له ، فنقول :
إنّه ورد كراهة الوضوء والغسل بالماء المسخن بالشمس ، فمن قال بالأوّل فلا بدّ ألاّ يقول بكراهتهما بالماء الذي برد وانقضى عنه التلبّس ؛ لأنّه عنده لا يصدق عليه حينئذ أنّه مسخن بالشمس ، بل كان مسخنا. ومن قال بالثاني فلا بدّ أن يقول بكراهتهما بالماء حال انقضاء التلبّس أيضا ؛ لأنّه عنده يصدق عليه أنّه مسخن حقيقة بلا مجاز.
ولتوضيح ذلك نذكر الآن أربعة أمور مذلّلة لتلك الصعوبة ، ثمّ نذكر القول المختار ودليله.
١. ما المراد من المشتقّ المبحوث عنه؟
اعلم أنّ «المشتقّ» باصطلاح النحاة ما يقابل الجامد ، ومرادهم واضح (٣). ولكن ليس هو (٤) موضع النزاع هنا ، بل بين المشتقّ بمصطلح النحويّين وبين المشتقّ المبحوث عنه عموم وخصوص من وجه ؛ لأنّ موضع النزاع هنا يشمل كلّ ما يحمل على الذات باعتبار قيام صفة فيها ، خارجة عنها ، تزول عنها وإن كان باصطلاح النحاة معدودا من الجوامد ، كلفظ الزوج والأخ والرقّ ونحو ذلك. ومن جهة أخرى لا يشمل الفعل بأقسامه ولا المصدر وإن كانت تسمّى مشتقّات عند النحويّين.
__________________
(١) ذهب إليه في مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ٦٧ ، رسائل المحقّق الكركي ٢ : ٨٢ ؛ زبدة الأصول : ٣٣ ؛ إيضاح الفوائد ٣ : ٥٢.
(٢) وإن شئت فراجع الفصول الغرويّة : ٥٩.
(٣) وهو ما يؤخذ من لفظ آخر مع اشتماله على حروفه وموافقته معه في الترتيب.
(٤) أي المشتقّ عند النجاة على إطلاقه.