درس مکاسب - خیارات

جلسه ۹۱: خیار رویت ۳

 

الثوب ، فلو باع ثوباً مطويّاً أو عيناً حاضرةً لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب ، يبطل إن لم يوصف وصفاً يرفع الجهالة (١) ، انتهى.

وحاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة على ما يعتبر في صحّة السلم وبيع الغائب. ومن المعلوم من السيرة عدم اعتبار

الاطّلاع بالرؤية على جميع الصفات المعتبرة في السلَم وبيع العين الغائبة ، فإنّه قد لا يحصل الاطّلاع بالمشاهدة على سنّ الجارية ، بل ولا على نوعها ولا غيرها من الأُمور التي لا يعرفها إلاّ أهل المعرفة بها ، فضلاً عن مرتبة كمالها الإنساني المطلوبة في الجواري المبذول بإزائها الأموال ، ويبعد كلّ البعد التزام ذلك أو ما دون ذلك في المشاهدة ، بل يلزم من ذلك عدم صحّة شراء غير العارف بأوصاف المبيع الراجعة إلى نوعه أو صنفه أو شخصه ، بل هو بالنسبة إلى الأوصاف التي اعتبروها كالأعمى ، لا بدّ من مراجعته لبصيرٍ عارفٍ بها.

الجواب عن الاشكالين المتقدّمين

ولا أجد في المسألة أوثق من أن يقال : إنّ المعتبر هو الغرر العرفي في العين الحاضرة والغائبة الموصوفة ، فإن دلّ على اعتبار أزيد من ذلك حجّةٌ معتبرةٌ أُخذ به.

وليس فيما ادّعاه العلاّمة في التذكرة من الإجماع حجّةٌ ، مع استناده في ذلك إلى كونه غرراً عرفاً ، حيث قال في أوّل مسألة اشتراط العلم بالعوضين : أنّه أجمع علماؤنا على اشتراط العلم بالعوضين ليعرف ما الذي مَلِكَ بإزاء ما بذل فينتفي الغرر ، فلا يصحّ بيع العين الغائبة ما لم يتقدّم‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٧.

رؤيةٌ أو يوصف وصفاً يرفع الجهالة (١) ، انتهى.

ولا ريب أنّ المراد بمعرفة ما مَلِك معرفته على وجهٍ وسطٍ بين طرفي الإجمال والتفصيل.

إشكال رابع في المقام وجوابه

ثمّ إنّه يمكن الاستشكال في صحّة هذا العقد بأنّ ذكر الأوصاف لا يخرج البيع عن كونه غرراً ؛ لأنّ الغرر بدون أخذ الصفات من حيث الجهل بصفات المبيع ، فإذا أُخذت فيه مقيّداً بها صار مشكوك الوجود ؛ لأنّ العبد المتّصف بتلك الصفات مثلاً لا يعلم وجوده في الخارج والغرر فيه أعظم.

ويمكن أن يقال : إنّ أخذ الأوصاف في معنى الاشتراط لا التقييد ، فيبيع العبد مثلاً ملتزماً بكونه كذا وكذا ، ولا غرر فيه حينئذٍ عرفاً. وقد صرّح في النهاية والمسالك في مسألة ما لو رأى المبيع ثمّ تغيّر عمّا رآه ـ : أنّ الرؤية بمنزلة الاشتراط (٢). ولازمه كون الوصف القائم مقام الرؤية اشتراطاً (٣).

ويمكن أن يقال ببناء هذا البيع على تصديق البائع أو غيره في إخباره باتّصاف المبيع بالصفات المذكورة ، كما يجوز الاعتماد عليه في الكيل والوزن ؛ ولذا ذكروا أنّه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة المبايعة بوصفٍ ثالثٍ لهما (٤).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٧.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٥٠١.

(٣) المسالك ٣ : ١٧٨.

(٤) كما في الشرائع ٢ : ٢٥ ، والقواعد ٢ : ٢٦ ، والدروس ٣ : ٢٧٦ ، والروضة ٣ : ٤٦٢.

وكيف كان ، فلا غرر عرفاً في بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة ، ولا دليل شرعاً أيضاً على المنع من حيث عدم العلم بوجود تلك الصفات ، فيتعيّن الحكم بجوازه ؛ مضافاً إلى الإجماع عليه ممّن عدا بعض العامّة (١).

المشهور هو الخيار بين الردّ والامساك مجّاناً

ثمّ إنّ الخيار بين الردّ والإمساك مجّاناً هو المشهور بين الأصحاب. وصريح السرائر : تخييره بين الردّ والإمساك بالأرش وأنّه لا يجبر على أحدهما (٢). ويضعّف بأنّه لا دليل على الأرش.

نعم لو كان للوصف المفقود دخلٌ في الصحّة توجّه أخذ الأرش ، لكن بخيار العيب ، لا خيار رؤية المبيع على خلاف ما وصفه ؛ إذ لولا الوصف ثبت خيار العيب أيضاً. وسيجي‌ء عدم اشتراط ذكر الأوصاف الراجعة إلى وصف الصحّة.

القول ببطلان البيع إذا وجد على خلاف ما وصف والمناقشة فيه

وأضعف من هذا ما ينسب إلى ظاهر المقنعة والنهاية والمراسم (٣) : من بطلان البيع إذا وجد على خلاف ما وصف. لكن الموجود في المقنعة والنهاية أنّه : «إن لم يكن على الوصف كان البيع مردوداً» ولا يبعد كون المراد بالمردود القابل للردّ ، لا الباطل فعلاً. وقد عبّر في النهاية عن خيار الغبن بذلك فقال : ولا بأس بأن يبيع الإنسان متاعاً بأكثر‌

__________________

(١) حكاه في التذكرة ١ : ٤٦٧ عن أحمد والشافعي في أحد الوجهين ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٥٨٦.

(٢) السرائر ٢ : ٢٤٢.

(٣) نسب إليها صريحاً في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٨٦ ، والجواهر ٢٣ : ٩٤. انظر المقنعة : ٥٩٤ ، والنهاية : ٣٩١ ، والمراسم : ١٨٠.