عند الله (١) ، أقوال.
والتحقيق أن يقال : إنّه إن كان الأمر بأحد الشيئين بملاك أنّه هناك غرض واحد يقوم به كلّ واحد منهما بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض ، ولذا يسقط به الأمر ، كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما ، وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقليّا لا شرعيّا ، وذلك لوضوح أنّ الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان (٢) ، ما لم يكن بينهما جامع في البين ، لاعتبار نحو من السنخيّة بين العلّة والمعلول (٣). وعليه فجعلهما متعلّقين للخطاب الشرعيّ لبيان أنّ الواجب هو الجامع بين هذين الاثنين.
وإن كان بملاك أنّه يكون في كلّ واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه ، كان كلّ واحد واجبا بنحو من الوجوب. يستكشف عنه تبعاته من عدم جواز تركه إلّا إلى الآخر ، وترتّب الثواب على فعل
__________________
ـ وتظهر الثمرة بين الأقوال فيما إذا ترك المكلّف جميع الأطراف ، فعلى القول الأوّل والثالث يتعدّد العقاب ، وعلى القول الثاني لا يتعدّد.
وتظهر الثمرة أيضا فيما إذا أتى بجميع الأطراف في آن واحد ، فعلى القول الأوّل لا يترتّب الثواب عليها أصلا ، لعدم وجوب شيء منها حينئذ ، إذ المفروض وجوب كلّ منها في ظرف عدم الإتيان بالآخر ، وهو مفقود. وعلى القول الثاني يترتّب عليها ثوابا واحدا ، لأنّ الواجب واحد منها. وعلى القول الثالث يترتّب الثواب متعدّدا ، لوجوب كلّ منها ، غاية الأمر يسقط وجوب كلّ واحد فيما إذا أتى بأحدها مقدّما على الآخر ، وأمّا إذا أتى بالجميع في آن واحد فيسقط بطريق أولى.
(١) وهذا القول نسبه الأشاعرة إلى المعتزلة ، والمعتزلة إلى الأشاعرة. ولكنّهما تحاشيا عنه. راجع المحصول ١ : ١٦٠ ، وشرح العضديّ على مختصر ابن الحاجب ١ : ٨٦.
(٢) أورد عليه المحقّق الاصفهانيّ بأنّ قاعدة عدم صدور الكثير عن الواحد وعدم صدور الواحد عن الكثير مختصّة بالواحد الشخصيّ. وأمّا الواحد النوعيّ فيمكن صدوره عن متعدّد. نهاية الدراية ١ : ٤٩١.
(٣) وأورد عليه المحقّق الاصفهانيّ بأنّ السنخيّة بين العلّة والمعلول لا تقتضي الانتهاء إلى جامع ماهويّ ، ضرورة أنّ المؤثّر هو الوجود ، ومناسبة الأثر لمؤثّره لا تقتضي أن يكون هذا المقتضي والمقتضي الآخر مندرجين بحسب الماهيّة تحت ماهيّة اخرى. نهاية الدراية ١ : ٤٩٢.