حكم العقل بلزوم إتيانها إرشادا إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقاب (١).
نعم ، لو كان المراد من الجواز جواز الترك شرعا وعقلا للزم أحد المحذورين ، إلّا أنّ الملازمة على هذا في الشرطيّة الاولى ممنوعة ، بداهة أنّها لو لم تجب شرعا لا يلزم أن تكون جائزا شرعا وعقلا ، لإمكان أن لا تكون محكومة بحكم شرعا وإن كانت واجبة عقلا إرشادا(٢) ، وهذا واضح.
وأمّا التفصيل بين السبب وغيره (٣) : فقد استدلّ على وجوب السبب بأنّ التكليف لا يكاد يتعلق إلّا بالمقدور ، والمقدور لا يكون إلّا هو السبب ، وإنّما المسبّب من آثاره المترتّبة عليه قهرا ، ولا يكون من أفعال المكلّف وحركاته أو سكناته ، فلا بدّ من صرف الأمر المتوجّه إليه عنه (٤) إلى سببه.
ولا يخفى ما فيه من أنّه ليس بدليل على التفصيل ، بل على أنّ الأمر النفسيّ إنّما يكون متعلّقا بالسبب دون المسبّب. مع وضوح فساده ، ضرورة أنّ المسبّب مقدور المكلّف وهو متمكّن عنه بواسطة السبب ، ولا يعتبر في التكليف أزيد من القدرة ، كانت بلا واسطة أو معها ، كما لا يخفى.
وأمّا التفصيل بين الشرط الشرعيّ وغيره (٥) : فقد استدلّ على الوجوب في الأوّل بأنّه لو لا وجوبه شرعا لما كان شرطا حيث إنّه ليس ممّا لا بدّ منه عقلا أو عادة.
وفيه ـ مضافا إلى ما عرفت (٦) من رجوع الشرط الشرعيّ إلى العقليّ ـ : أنّه
__________________
(١) ولا يخفى عليك : أنّ كلامه هذا ينافي ما أفاده في مقام ذكر البرهان على وجوب المقدّمة من قوله : «في كونه بعثا مولويّا» ، فإنّ ظاهره التمسّك بالوجدان لاثبات الوجوب المولويّ للمقدّمة.
(٢) وفي النسخ : «بداهة أنّه لم لو يجب شرعا لا يلزم أن يكون جائزا شرعا وعقلا ، لإمكان أن لا يكون محكوما بحكم شرعا وإن كان واجبا عقلا إرشادا». والصحيح تأنيث الضمير ، لأنّها ترجع إلى المقدّمة.
(٣) كما يظهر من كلام السيّد المرتضى في الذريعة إلى اصول الشريعة ١ : ٨٣.
(٤) أي : عن المسبّب.
(٥) راجع ما مرّ في التعليقة (٤) من الصفحة : ٢٣١.
(٦) في تقسيم المقدّمات : ١٧٧.