[مسألة مقدّمة الواجب والأقوال فيها]
إذا عرفت ما ذكرناه فقد تصدّى غير واحد من الأفاضل لإقامة البرهان على الملازمة (١) ؛ وما أتى منهم بواحد خال عن الخلل.
والأولى إحالة ذلك إلى الوجدان حيث إنّه أقوى شاهد على أنّ الإنسان إذا أراد شيئا له مقدّمات أراد تلك المقدّمات لو التفت إليها بحيث ربّما يجعلها في قالب الطلب مثله ، ويقول مولويّا : «ادخل السوق واشتر اللحم» ـ مثلا ـ ، بداهة أنّ الطلب المنشأ بخطاب : «ادخل» مثل المنشأ بخطاب «اشتر» في كونه بعثا مولويّا ، وأنّه حيث تعلّقت إرادته بإيجاد عبده الاشتراء ترشّحت منها له إرادة اخرى بدخول السوق بعد الالتفات إليه وأنّه يكون مقدّمة له ، كما لا يخفى.
ويؤيّد الوجدان بل يكون من أوضح البرهان وجود الأوامر الغيريّة في الشرعيّات والعرفيّات ، لوضوح أنّه لا يكاد يتعلّق بمقدّمة أمر غيريّ إلّا إذا كان فيها مناطه (٢). وإذا كان فيها كان في مثلها ، فيصحّ تعلّقه به أيضا لتحقّق ملاكه ومناطه.
والتفصيل بين السبب وغيره (٣) والشرط الشرعيّ وغيره (٤) سيأتي بطلانه (٥) ،
__________________
ـ إثبات بطلان أصالة عدم وجوب المقدّمة.
(١) كأبي الحسين البصريّ والمحقّق السبزواريّ والشيخ الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ٨٣ ـ ٩١.
(٢) وهو المقدّميّة والتوقّف.
(٣) التفصيل بين السبب وغيره بالوجوب في الأوّل وعدم الوجوب في الثاني ظاهر من كلام السيّد المرتضى في الذريعة إلى اصول الشريعة ١ : ٨٣.
(٤) بأنّ الشرط الشرعيّ يجب بالوجوب المقدّمي دون غيره. وهذا منسوب إلى إمام الحرمين وابن القشيريّ وابن برهان وابن حاجب. راجع نهاية السئول ١ : ٢٠٠.
وذهب المحقّق النائينيّ أيضا إلى التفصيل بين الشرط الشرعيّ وغيره بأنّه لا يجب الشرط الشرعيّ بالوجوب الغيريّ ، باعتبار أنّه واجب بالوجوب النفسيّ نظير جزء الواجب.
وأمّا غيره فيجب بالوجوب الغيريّ. فوائد الاصول ١ : ٢٦٢.
(٥) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «بطلانهما» ، فإنّ الضمير يرجع إلى التفصيل الأوّل والتفصيل الثاني.