الاخرى أوجب التفاوت بينهما في المطلوبيّة وعدمها وجواز التصريح بهما ، وإن لم يكن بينهما تفاوت في الأثر ، كما مرّ.
قلت : إنّما يوجب ذلك تفاوتا فيهما لو كان ذلك لأجل تفاوت في ناحية المقدّمة ، لا فيما إذا لم يكن تفاوت في ناحيتها أصلا ، كما هاهنا ، ضرورة أنّ الموصليّة إنّما تنتزع من وجود الواجب وترتّبه عليها من دون اختلاف في ناحيتها (١) ، وكونها (٢) في كلا الصورتين على نحو واحد وخصوصيّة واحدة ، ضرورة أنّ الإتيان بالواجب بعد الإتيان بها بالاختيار تارة وعدم الإتيان به كذلك (٣) اخرى لا يوجب تفاوتا فيها ، كما لا يخفى.
وأمّا ما أفاده قدسسره من أنّ مطلوبيّة المقدّمة حيث كانت بمجرّد التوصّل بها ، فلا جرم يكون التوصّل بها إلى الواجب معتبرا فيها. ففيه : أنّه إنّما كانت مطلوبيّتها لأجل عدم التمكّن من التوصّل بدونها ، لا لأجل التوصّل بها ، لما عرفت من أنّه (٤) ليس من آثارها ، بل ممّا يترتّب عليه (٥) أحيانا بالاختيار بمقدّمات اخرى ـ وهي مبادئ اختياره ـ ، ولا يكاد يكون مثل ذا (٦) غاية لمطلوبيّتها وداعيا إلى إيجابها.
وصريح الوجدان إنّما يقضي بأنّ ما اريد لأجل غاية وتجرّد عن الغاية بسبب عدم حصول سائر ما له دخل في حصولها يقع على ما هو عليه من المطلوبيّة الغيريّة (٧) ، كيف؟ وإلّا يلزم أن يكون وجودها من قيوده ومقدّمة
__________________
(١) أورد عليه المحقّق الاصفهانيّ بأنّ الموصليّة وشبهها من العناوين منتزعة عن المقدّمة عند بلوغها إلى حيث يمتنع انفكاكها عن ذيها. نهاية الدراية ١ : ٣٩٩.
(٢) معطوف على قوله : «أنّ الموصليّة» أي : وضرورة كون المقدّمة في صورة الإيصال وعدمه على نحو واحد.
(٣) أي : عدم الإتيان بالواجب بعد الإتيان بالمقدّمة بالاختيار.
(٤) أي : التوصّل والترتّب.
(٥) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «عليها» ، فإنّ الضمير يرجع إلى المقدّمة.
(٦) أي : مثل هذا التوصّل الفعليّ المترتّب على المقدّمة تصادفا بحسن اختيار المكلّف.
(٧) وبتعبير أوضح : يقع ما اريد لأجل غاية على صفة المطلوبيّة الغيريّة.