أمّا عدم اعتبار قصد التوصّل : فلأجل أنّ الوجوب لم يكن بحكم العقل إلّا لأجل المقدّميّة والتوقّف ، وعدم دخل قصد التوصّل فيه واضح. ولذا اعترف (١) بالاجتزاء بما لم يقصد به ذلك (٢) في غير المقدّمات العباديّة لحصول ذات الواجب.
فيكون تخصيص الوجوب بخصوص ما قصد به التوصّل من المقدّمة بلا مخصّص ، فافهم.
نعم ، إنّما اعتبر ذلك في الامتثال ، لما عرفت (٣) من أنّه لا يكاد يكون الآتي بها بدونه ممتثلا لأمرها وآخذا في امتثال الأمر بذيها ، فيثاب بثواب أشقّ الأعمال. فيقع الفعل المقدّميّ على صفة الوجوب ولو لم يقصد به التوصّل كسائر الواجبات التوصّليّة ، لا على حكمه السابق الثابت له لو لا عرض صفة توقّف الواجب الفعليّ المنجّز عليه. فيقع الدخول في ملك الغير واجبا إذا كانت (٤) مقدّمة لإنقاذ غريق أو إطفاء حريق واجب فعليّ ، لا حراما ، وإن لم يلتفت إلى التوقّف والمقدّميّة. غاية الأمر يكون حينئذ (٥) متجرّئا فيه ، كما أنّه مع الالتفات يتجرّأ بالنسبة إلى ذي المقدّمة فيما لم يقصد التوصّل إليه أصلا. وأمّا إذا قصده ولكنّه لم يأت بها بهذا الداعي بل بداع آخر أكّده بقصد التوصّل ، فلا يكون متجرّئا أصلا.
وبالجملة : يكون التوصّل بها إلى ذي المقدّمة من الفوائد المترتّبة على المقدّمة الواجبة ، لا أن يكون قصده قيدا وشرطا لوقوعها على صفة الوجوب ، لثبوت ملاك الوجوب (٦) في نفسها بلا دخل له فيه أصلا ، وإلّا لما حصل ذات الواجب ولما سقط الوجوب به ، كما لا يخفى.
__________________
(١) أي : اعترف الشيخ الأنصاريّ ، حيث قال : «وقضيّة ذلك هو قيام ذلك الواجب مقامه» وقال :«انّما الإشكال في المقدّمة إذا كانت من الأعمال العباديّة الّتي يجب وقوعها على قصد القربة».
مطارح الأنظار : ٧٢.
(٢) أي : التوصّل إلى ذي المقدّمة.
(٣) في التذنيب الثاني : ٢١٢.
(٤) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «كان».
(٥) أي : حين عدم الالتفات إلى المقدّميّة.
(٦) وفي بعض النسخ : «لملاك ثبوت الوجوب ...».