فالأولى أن يقال : إنّ الأثر المترتّب عليه وإن كان لازما ، إلّا أنّ ذا الأثر لمّا كان معنونا بعنوان حسن يستقلّ العقل بمدح فاعله بل وبذمّ تاركه ، صار متعلّقا للإيجاب بما هو كذلك ؛ ولا ينافيه كونه مقدّمة لأمر مطلوب واقعا. بخلاف الواجب الغيريّ ، لتمحّض وجوبه في أنّه لكونه مقدّمة لواجب نفسيّ ؛ وهذا أيضا لا ينافي أن يكون معنونا بعنوان حسن في نفسه ، إلّا أنّه لا دخل له في إيجابه الغيريّ (١).
ولعلّه مراد من فسّرهما بما امر به لنفسه ، وما امر به لأجل غيره (٢). فلا يتوجّه عليه (٣) بأنّ جلّ الواجبات لو لا الكلّ يلزم أن يكون من الواجبات الغيريّة ، فإنّ المطلوب النفسيّ قلّما يوجد في الأوامر ، فإنّ جلّها مطلوبات لأجل الغايات الّتي هي خارجة عن حقيقتها ، فتأمّل.
__________________
(١) وأورد عليه المحقّق النائينيّ بأنّه يستلزم أن يكون في الواجب النفسيّ ملاكان : ملاك الوجوب النفسيّ وملاك الوجوب الغيريّ ، وهو ممتنع.
ثمّ تصدّى لدفع الإيراد بوجه آخر ، حاصله : أنّ نسبة الفعل الواجب إلى الأثر نسبة المعدّ إلى المعدّ له ، لا نسبة السبب التوليديّ إلى مسبّبه كي يكون مقدورا بالواسطة ، وذلك لأنّ الأثر لا يترتّب على الفعل إلّا بتوسيط أمور غير اختياريّة ، فيمتنع تعلّق التكليف به ، لكونه غير مقدور حتّى بالواسطة.
ثمّ أورد على التعريف المذكور بأنّه يستلزم خروج الواجبات التهيّئيّة عن كونها واجبات نفسيّة ، لأنّ الأمر بها يكون لأجل التوصّل بها إلى واجبات أخر ، فيلزم أن تكون واجبات غيريّة ، مع أنّها نفسيّة.
ثمّ عدل عن التعريف وقال : «الأولى أن يعرّف الواجب النفسيّ بما امر به لنفسه ـ أي تعلّق الأمر به ابتداء وكان متعلّقا للإرادة كذلك ـ. ويقابله الواجب الغيريّ وهو ما إذا كانت إرادته ترشّحيّة من ناحية إرادة الغير». فوائد الاصول ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ ، أجود التقريرات ١ : ١٦٧ ـ ١٦٨.
والفرق بين التعريفين أنّ النفسيّة والغيريّة وصفان إضافيّان على الأوّل ـ كما صرّح بذلك المصنّف ـ ، ووصفان متباينان على الثاني.
(٢) هو ما حكاه الشيخ الأنصاريّ عن غير واحد على ما في مطارح الأنظار : ٦٦.
(٣) إشارة إلى ما أورده الشيخ الأنصاريّ على التفسير المذكور. راجع مطارح الأنظار : ٦٦.