وربّما قيل (١) في الدوران بين الرجوع إلى الهيئة أو المادّة بترجيح الإطلاق في طرف الهيئة وتقييد المادّة ، لوجهين :
أحدهما : أنّ إطلاق الهيئة يكون شموليّا ، كما في شمول العامّ لأفراده ، فإنّ وجوب الإكرام على تقدير الإطلاق يشمل جميع التقادير الّتي يمكن أن يكون تقديرا له ، وإطلاق المادّة يكون بدليّا غير شامل لفردين في حالة واحدة.
ثانيهما : أنّ تقييد الهيئة (٢) يوجب بطلان محلّ الإطلاق في المادّة ويرتفع به مورده (٣) ، بخلاف العكس (٤) ، وكلّما دار الأمر بين تقييدين كذلك كان التقييد الّذي لا يوجب بطلان الآخر أولى.
أمّا الصغرى : فلأجل أنّه لا يبقى مع تقييد الهيئة محلّ حاجة وبيان لإطلاق المادّة ، لأنّها (٥) لا محالة لا تنفكّ عن وجود قيد الهيئة ؛ بخلاف تقييد المادّة ، فإنّ محلّ الحاجة إلى إطلاق الهيئة على حاله ، فيمكن الحكم بالوجوب على تقدير وجوب القيد وعدمه.
وأمّا الكبرى : فلأنّ التقييد وإن لم يكن مجازا ، إلّا أنّه خلاف الأصل ، ولا فرق في الحقيقة بين تقييد الإطلاق وبين أن يعمل عملا يشترك مع التقييد في الأثر وبطلان العمل به.
__________________
(١) والقائل هو الشيخ الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ٤٩.
ولا يخفى : أنّه قد تقدّم من الشيخ إنكار إمكان رجوع القيد إلى الهيئة عقلا ، فلا يتصوّر الدوران بين تقييد الهيئة وتقييد المادّة حتّى يحكم برجوع القيد إلى المادّة من جهة الترجيح اللفظيّ. وهذا يؤيّد عدم صحّة نسبة امتناع تقييد الهيئة إلى الشيخ.
(٢) أي : تقييد إطلاق الهيئة.
(٣) إذ يمتنع أخذ المادّة بدون قيد الوجوب ، ضرورة أنّ وجوب الحجّ ـ مثلا ـ إذا قيّد بالاستطاعة فلا يبقى للحجّ ـ وهو المادّة ـ إطلاق ، إذ الحجّ لا عن استطاعة ليس بواجب ، بداهة أنّه لا وجوب في ظرف عدم الاستطاعة كي يتّصف به الحجّ ويصير واجبا.
(٤) أي : تقييد إطلاق المادّة لا يستلزم تقييد إطلاق الهيئة.
(٥) أي : المادّة ، وهي الواجب.