نحو المراد. فكما لا تكاد تكون الإرادة منفكّة عن المراد فليكن الإيجاب غير منفكّ عمّا يتعلّق به ، فكيف يتعلّق بأمر استقباليّ؟! فلا يكاد يصحّ الطلب والبعث فعلا نحو أمر متأخّر.
قلت : فيه أنّ الإرادة تتعلّق بأمر متأخّر استقباليّ ، كما تتعلّق بأمر حاليّ ، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل ، فضلا عن فاضل ، ضرورة أنّ تحمّل المشاقّ في تحصيل المقدّمات فيما إذا كان المقصود بعيد المسافة وكثير المئونة ليس إلّا لأجل تعلّق إرادته به ، وكونه مريدا له قاصدا إيّاه ، لا يكاد يحمله على التحمّل إلّا ذلك (١).
ولعلّ الّذي أوقعه في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الإرادة بالشوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحو المراد (٢) ، وتوهّم أنّ تحريكها نحو المتأخّر ممّا لا يكاد. وقد غفل عن أنّ كونه محرّكا نحوه يختلف حسب اختلافه (٣) في كونه (٤) ممّا لا مئونة
__________________
ـ المراد زمانا ـ لأنّها الشوق المؤكّد المستتبع لتحريك العضلات ـ كذلك الإرادة التشريعيّة يستحيل أن تنفكّ عن المراد ، لأنّها لا تنفكّ عن الإيجاب المستتبع لتحريك العبد في الخارج.
وعليه فيمتنع تعلّق الإيجاب بأمر استقباليّ ، لاستلزامه انفكاك الإيجاب عن التحريك ، وهو مستلزم لانفكاك المراد عن الإرادة ، وهو ممتنع.
وبيان الإشكال على الشكل المنطقيّ أنّه مركّب من ثلاثة قياسات مرتّبة :
١ ـ الإرادة التشريعيّة يشترك الإرادة التكوينيّة في الخصوصيّات والآثار ، وكلّ إرادة تكوينيّة يمتنع انفكاكها عن المراد ، فالإرادة التشريعيّة يشترك التكوينيّة في امتناع انفكاكها عن المراد.
٢ ـ الإرادة التشريعيّة يمتنع انفكاكها عن المراد ، وتعلّق الايجاب بأمر استقباليّ يستلزم انفكاك الإرادة التشريعيّة عن المراد ، فتعلّق الايجاب بأمر استقباليّ يستلزم أمرا ممتنعا هو انفكاكها عن المراد.
٣ ـ تعلّق الايجاب بأمر استقباليّ يستلزم الممتنع ، وكلّ ما يستلزم الممتنع ممتنع ، فتعلّق الايجاب بأمر استقباليّ ممتنع.
(١) أي : تعلّق الإرادة.
(٢) هكذا عرّفها الحكيم السبزواريّ ، راجع شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ١٨٤ ، وتعليقته على الأسفار ٦ : ٣٢٣ ، الرقم (١).
(٣) أي : قد غفل عن أنّ كون الشوق المؤكّد محرّكا للعضلات نحو المراد يختلف حسب اختلاف المراد.
(٤) أي : كون ما تعلّق به الشوق ، وهو المراد.