وأمّا الثاني : فكون شيء شرطا للمأمور به ليس إلّا ما يحصل لذات المأمور به بالإضافة إليه وجه وعنوان به يكون حسنا أو متعلّقا للغرض بحيث لولاها (١) لما كان كذلك. واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الإضافات ممّا لا شبهة فيه ولا شكّ يعتريه. والإضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخّر أو المتقدّم بلا تفاوت أصلا ، كما لا يخفى على المتأمّل. فكما تكون إضافة شيء إلى مقارن له موجبا لكونه معنونا بعنوان يكون بذلك العنوان حسنا ومتعلّقا للغرض ، كذلك إضافته إلى متأخّر أو متقدّم ، بداهة أنّ الإضافة إلى أحدهما ربما توجب ذلك أيضا ، فلو لا حدوث المتأخّر في محلّه لما كانت للمتقدّم تلك الإضافة الموجبة لحسنه الموجب لطلبه والأمر به ، كما هو الحال في المقارن أيضا ، ولذلك اطلق عليه الشرط مثله (٢) بلا انخرام للقاعدة أصلا ، لأنّ المتقدّم أو المتأخّر كالمقارن ليس إلّا طرف الإضافة الموجبة للخصوصيّة الموجبة للحسن ، وقد حقّق في محلّه أنّه بالوجوه والاعتبارات (٣) ، ومن الواضح أنّها تكون بالإضافات. فمنشأ توهّم الانخرام إطلاق الشرط على المتأخّر ؛ وقد عرفت أنّ إطلاقه عليه فيه كإطلاقه على المقارن إنّما يكون لأجل كونه طرفا للإضافة الموجبة للوجه الّذي يكون بذاك الوجه مرغوبا ومطلوبا ، كما
__________________
ـ ثمّ إنّ المحقّق العراقيّ حاول تصحيح الشرط المتأخّر بالتصرّف في معنى الشرط. وحاصله : أنّ الشرط ليس جزءا دخيلا في الأثر ، بل الشرط هو طرف ما يحدّد المقتضي وتحصل به الخصوصيّة اللازمة لتأثير المقتضي. فهو طرف إضافة وتحديد بها تحصل الفاعليّة للفاعل. ولا يمتنع أن يكون طرف الإضافة من الامور المتأخّرة بعد ما كانت الإضافة مقارنة ولم يكن للأمر المتأخّر أيّ تأثير. نهاية الأفكار ١ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، بدائع الأفكار ١ : ٣٢٠ ـ ٣٢١.
ولكن السيّد الإمام الخمينيّ ـ بعد ما تعرّض لما ذكره المحقّق العراقيّ تصحيحا للشرط المتأخّر ـ ناقش فيه من وجوه. ثمّ تصدّى لدفع الإشكال بوجهين آخرين ، ثانيهما أنّ موضوعات الأحكام وشرائطها كلّها تكون عرفيّة ، لا عقليّة ، والعرف يرى إمكان التقييد والإضافة بالأمر المتأخّر ، ولو كان العقل لا يساعد عليه ، كما هو الحال في سائر الموضوعات الشرعيّة. راجع تمام كلامه في مناهج الوصول ١ : ٢٣٨ ـ ٢٤٣.
(١) أي : لو لا الإضافة إليه.
(٢) أي : مثل المقارن.
(٣) راجع شرح تجريد الاعتقاد : ٣٠٢.