أمّا الأوّل : فكون أحدهما شرطا له ليس إلّا أنّ للحاظه دخلا في تكليف الآمر ، كالشرط المقارن بعينه ، فكما أنّ اشتراطه بما يقارنه ليس إلّا أنّ لتصوّره دخلا في أمره بحيث لولاه لما كاد يحصل له الداعي إلى الأمر ، كذلك المتقدّم أو المتأخّر.
وبالجملة : حيث كان الأمر من الأفعال الاختياريّة ، كان من مبادئه ـ بما هو كذلك ـ تصوّر الشيء بأطرافه ليرغب في طلبه والأمر به ، بحيث لولاه لما رغب فيه ، ولما أراده واختاره ، فيسمّى كلّ واحد من هذه الأطراف ـ الّتي لتصوّرها دخل في حصول الرغبة فيه وإرادته ـ : «شرطا» ، لأجل دخل لحاظه في حصوله ، كان مقارنا له أو لم يكن كذلك ، متقدّما أو متأخّرا ، فكما في المقارن يكون لحاظه في الحقيقة شرطا ، كان فيهما كذلك ، فلا إشكال.
وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقا ، ولو كان مقارنا ، فإنّ دخل شيء في الحكم به وصحّة انتزاعه لدى الحاكم به ليس إلّا ما كان بلحاظه يصحّ انتزاعه ، وبدونه لا يكاد يصحّ اختراعه عنده ، فيكون دخل كلّ من المقارن وغيره بتصوّره ولحاظه ، وهو (١) مقارن. فأين انخرام القاعدة العقليّة في غير المقارن؟ فتأمّل تعرف (٢).
__________________
(١) أي : تصوّره ولحاظه.
(٢) وأورد عليه المحقّق النائينيّ بما حاصله : أنّ رجوع شرائط الحكم إلى التصوّر انّما يتمّ فيما إذا كان الحكم المنشأ بنحو القضيّة الخارجيّة ، لا فيما إذا كان بنحو القضيّة الحقيقيّة ، فإنّ المؤثّر في ثبوت الحكم في القضايا الخارجيّة هو علم المولى بتحقّق الموضوع وإن لم يكن في الواقع ثابتا ، وأمّا القضايا الحقيقيّة ـ الّتي ينشأ الحكم فيها على موضوع مقدّر الوجود ـ فالمؤثّر في ثبوت الحكم من حيث الموضوع هو وجود الموضوع في الخارج ، سواء علم به المولى أو لم يعلم ، لأنّ الحكم ينشأ على تقدير ثبوت الموضوع واقعا. وموضع البحث في الشرط المتأخّر هو الأحكام المنشأة بنحو القضيّة الحقيقيّة ، لا الأحكام المنشأة بنحو القضيّة الخارجيّة. فما ذكره المصنّف خلط بين النحوين من القضايا.
وهذا الإيراد تعرّض له السيّد المحقّق الخوئيّ ودفعه ، ثمّ حاول وجها آخر في تصحيح الشرط المتأخّر. وحاصله : أنّ باب الأحكام الشرعيّة باب الاعتبارات ، وهو أجنبيّ عن باب التأثير والتأثّر ، كما أنّه لا مانع من تقييدها بأمر مقارن أو متقدّم ، ضرورة أنّ مردّ تقييده بأمر متأخّر هو أنّه بوجوده المتأخّر يكشف عن وجود الواجب في ظرفه. المحاضرات ٢ : ٣٠٧ ـ ٣١٥. ـ