إطلاقها جواز التراخي.
والدليل عليه (١) تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقييدها بأحدهما. فلا بدّ في التقييد من دلالة اخرى ، كما ادّعي دلالة غير واحد من الآيات (٢) على الفوريّة (٣) ، وفيه منع ، ضرورة أنّ سياق آية ﴿وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (٤) وكذا آية ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ»﴾ (٥) إنّما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما للغضب والشرّ ، ضرورة أنّ تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشرّ كان البعث بالتحذير عنهما (٦) أنسب ، كما لا يخفى ، فافهم.
__________________
ـ اللفظيّ في جواز التراخي. وذلك لأنّ مورد البحث في المسألة ليس دلالتها على لزوم الفوريّة أو لزوم التراخي وعدمها ، ضرورة أنّه لم يقل أحد بدلالتها على لزوم التراخي ، فلا يكون لزوم التراخي أحد طرفي الترديد ، بل انّما يبحث فيها عن دلالة الصيغة على لزوم الفوريّة أو جواز التراخي وعدمها. فما يظهر من كلامه ـ من أنّ الصيغة لا تدلّ على لزوم الفور ولا على لزوم التراخي ـ في غير محلّه.
إن قلت : لو حملنا كلامه على عدم دلالة الصيغة ـ لا على لزوم الفور ولا على جواز التراخي ـ فلا معنى لكلامه ثانيا من دعوى دلالة إطلاق الأمر على جواز التراخي.
قلت : لا تنافي ما ذكره أوّلا مع ما ذكره ثانيا ، فإنّ ما ذكره ـ من عدم دلالة الصيغة على جواز التراخي ـ يحمل على عدم دلالته بالوضع ، وما ذكره ثانيا ـ من دلالة إطلاقها على جواز التراخي ـ يحمل على ظهورها فيه بإطلاقها اللفظيّ.
(١) أي : على عدم دلالة الصيغة على أحدهما.
(٢) كقوله تعالى : ﴿وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ آل عمران / ١٣٣ ، وقوله تعالى : ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ﴾ البقرة / ١٤٨.
(٣) هذا ما ادّعاه القائلون بدلالة الصيغة على الفور من الحنفيّة والحنابلة ـ على ما في الإحكام (للآمديّ) ٢ : ١٦٥ ـ ، بل كثير من المتكلّمين والفقهاء ـ على ما في العدّة ١ : ٢٢٥ ـ ٢٢٧ ـ.
وأمّا الشيخ الطوسيّ ـ وإن ذهب إلى القول بالفور ـ فناقش في دلالة الآيات على الفور ، راجع العدّة ١ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.
(٤) آل عمران / ١٣٣.
(٥) البقرة / ١٤٨.
(٦) بأن يقول : «فليحذر الذين لا يسارعون إلى المغفرة ولا يستبقون في الخيرات».