واضح ـ ، فلو كان العلم به موقوفا عليه (١) لدار.
فإنّه يقال : الموقوف عليه غير الموقوف عليه (٢) ، فإنّ العلم التفصيليّ بكونه موضوعا له موقوف على التبادر ، وهو موقوف على العلم الإجماليّ الارتكازيّ به ، لا التفصيليّ ، فلا دور. هذا إذا كان المراد به التبادر عند المستعلم. وأمّا إذا كان المراد به التبادر عند أهل المحاورة فالتغاير أوضح من أن يخفى.
ثمّ إن هذا فيما لو علم استناد الانسباق (٣) إلى نفس اللفظ ، وأمّا فيما احتمل استناده إلى قرينة فلا يجدي أصالة عدم القرينة في إحراز كون الاستناد إليه ، لا إليها ـ كما قيل (٤) ـ ، لعدم الدليل على اعتبارها إلّا في إحراز المراد لا الاستناد.
[٢ ـ عدم صحّة السلب وصحّته]
ثمّ إنّ عدم صحّة سلب اللفظ ـ بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن إجمالا كذلك (٥) ـ عن معنى تكون علامة كونه حقيقة فيه ، كما أنّ صحّة سلبه عنه علامة
__________________
(١) أي : لو كان العلم بالموضوع له موقوفا على التبادر.
(٢) أي : ما يتوقّف على التبادر غير ما يتوقّف التبادر عليه ، فإنّ ما يتوقّف على التبادر هو العلم التفصيليّ بالموضوع له ، وما يتوقّف التبادر عليه هو العلم الارتكازيّ الإجماليّ بالموضوع له ، فلا دور.
ولا يخفى ما فيه : فإنّا ننقل الكلام إلى المعلوم بالعلم الإجماليّ المكنون في خزانة النفس ، فهو أيضا لا بدّ له من سبب ، والسبب لا يخلو : إمّا أن يكون وجود العلقة الذاتيّة بين اللفظ والمعنى بحيث كلّ من سمعه ينتقل إلى المعنى إجمالا ، وقد عرفت بطلانه ؛ وإمّا أن يكون العثور على وجود العلقة الوضعيّة بينهما ، والعثور عليه لا يحصل إلّا بالمراجعة إلى الواضعين من أهل اللغة أو كتبهم أو المواجهة مع المحاورات والإطلاقات الرائجة بين أهل اللغة ، وحينئذ فكان تحصيل العلم بوجودها من التبادر تحصيلا للحاصل وعلى وجه دائر ، فلا يمكن دفع الدور بما ذكر.
(٣) هكذا في النسخ. ولكن لا تساعد عليه اللغة كما مرّ.
(٤) أي : كما قيل بجواز التمسّك بأصالة عدم القرينة في إحراز عدم الاستناد إلى القرينة. والقائل صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٣٣.
(٥) أي : كالإجمال المذكور في التبادر.