إيقاظ : [جريان الكلام في سائر الصيغ الإنشائيّة]
لا يخفى : أنّ ما ذكرناه في صيغة الأمر جار في سائر الصيغ الإنشائيّة ، فكما يكون الداعي إلى إنشاء التمنّي أو الترجّي أو الاستفهام بصيغها تارة هو ثبوت هذه الصفات حقيقة يكون الداعي غيرها اخرى (١). فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها واستعمالها في غيرها إذا وقعت في كلامه تعالى ـ لاستحالة (٢) مثل هذه المعاني في حقّه تبارك وتعالى ممّا لازمه العجز أو الجهل ـ ، وأنّه لا وجه له (٣) ، فإنّ المستحيل إنّما هو الحقيقيّ منها ، لا الإنشائيّ الإيقاعيّ الّذي يكون بمجرّد قصد حصوله بالصيغة ـ كما عرفت ـ. ففي كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الإيقاعيّة الإنشائيّة أيضا ، لا لإظهار ثبوتها حقيقة ، بل لأمر آخر ـ حسبما تقتضيه الحال ـ من إظهار المحبّة (٤) أو الإنكار (٥) أو التقرير (٦) ... إلى غير ذلك.
ومنه ظهر أنّ ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضا.
__________________
ـ وذهب المحقّق العراقيّ إلى أنّها موضوعة للنسبة الإرساليّة والمحرّكيّة بين المبدأ والفاعل.
نهاية الأفكار ١ : ١٧٨ ـ ١٧٩.
واختار السيّد الإمام الخمينيّ أنّ الصيغة موضوعة للبعث والإغراء. مناهج الوصول ١ : ٢٤٣ ـ ٢٤٥.
وذهب السيّد المحقّق الخوئيّ إلى أنّها موضوعة للدلالة على إبراز الأمر الاعتباريّ النفسانيّ في الخارج ـ أي اعتبار الفعل على ذمّة المكلّف في الخارج ـ. محاضرات في اصول الفقه ٢ : ١٢٢ ـ ١٢٣.
(١) هكذا في النسخ. والأولى تذكير الضمير ، كي يرجع إلى «ثبوت».
(٢) تعليل للالتزام بالانسلاخ.
(٣) تأكيد لقوله : «فلا وجه للالتزام ...».
(٤) كقوله تعالى : ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ المائدة / ١٠٠. فاستعمل «لعلّ» في معناه الإيقاعيّ لإظهار محبّة فلاح المؤمنين.
(٥) كقوله تعالى : ﴿أَإِلهٌ مَعَ اللهِ.﴾ النمل / ٦٠ ـ ٦٤.
(٦) كقوله تعالى : ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.﴾ الشرح / ١.