بالمصلحة في فعل المكلّف ـ ، وما لا محيص عنه في التكليف إنّما هو هذه الإرادة التشريعيّة ، لا التكوينيّة. فإذا توافقتا فلا بدّ من الإطاعة والإيمان ، وإذا تخالفتا فلا محيص عن أن يختار الكفر والعصيان.
إن قلت : إذا كان الكفر والعصيان والإطاعة والإيمان بإرادته تعالى الّتي لا تكاد تتخلّف عن المراد ، فلا يصحّ أن يتعلّق بها التكليف ، لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلا.
قلت : إنّما تخرج بذلك عن الاختيار لو لم يكن تعلّق الإرادة بها مسبوقة بمقدّماتها الاختياريّة (١) ، وإلّا فلا بدّ من صدورها بالاختيار ، وإلّا لزم تخلّف إرادته عن مراده ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا (٢).
إن قلت : إنّ الكفر والعصيان ـ من الكافر والعاصي ـ ولو كانا مسبوقين بإرادتهما ، إلّا أنّهما منتهيان إلى ما لا بالاختيار ، كيف وقد سبقهما (٣) الإرادة الأزليّة والمشيئة الإلهيّة ، ومعه كيف تصحّ المؤاخذة على ما يكون بالآخرة بلا اختيار؟!
قلت : العقاب إنّما بتبعة (٤) الكفر والعصيان التابعين للاختيار الناشئ عن مقدّماته الناشئة عن شقاوتهما الذاتيّة اللازمة لخصوص ذاتهما ، فإنّ السعيد سعيد
__________________
(١) هكذا في جميع النسخ. والأولى أن يقول : «لو لم يكن تعلّق الإرادة مسبوقا بمقدّماتها الاختياريّة».
(٢) وتوضيحه : أنّ الكفر والعصيان والإطاعة والإيمان إنّما تخرج بتعلّق الإرادة التكوينيّة الإلهيّة عن الاختيار لو لم يكن تعلّق الإرادة التكوينيّة بها مسبوقا بمقدّماتها الاختياريّة الّتي تكون في اختيار العبد. وأمّا لو كان تعلّق الإرادة التكوينيّة بهذه الامور مسبوقا بمباديها الاختياريّة فلا بدّ من صدورها بالاختيار ، فإنّ إرادته تعالى تعلّقت بفعل العبد لا مطلقا ، بل بما هو مراد للعبد. وحينئذ فإن لم تصدر الامور المذكورة عن اختيار ـ مع تعلّق إرادته تعالى بصدورها من العبد عن اختيار ـ لزم تخلّف إرادته تعالى عن مراده ، وهو محال.
(٣) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «وقد سبقتهما».
(٤) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «إنّما يتبع».