الجواهر المادية ، ليس بالكون والفساد وبطلان صورة وحدوث أخرى ، بل الصور المتبدلة موجودة بوجود واحد ، سيال يتحرك الجوهر المادي فيه ، وكل واحد منها حد من حدود هذه الحركة الجوهرية ، فهي موجودة متصلة واحدة بالخصوص ، وإن كانت وحدة مبهمة ، تناسب إبهام ذات المادة التي هي قوة محضة ، وقولنا إن صورة ما واحدة بالعموم ، شريكة العلة للمادة ، إنما هو باعتبار ما يطرأ عليها من الكثرة بالانقسام.
الفصل الثامن
النفس والعقل موجودان
أما النفس ، وهي الجوهر المجرد من المادة ذاتا ، المتعلق بها فعلا ، فلما نجد في النفوس الإنسانية من خاصة العلم وسيأتي ، في مرحلة العاقل والمعقول (١) ، أن الصور العلمية مجردة من المادة ، موجودة للعالم حاضرة عنده ، ولو لا تجرد العالم ، بتنزهه عن القوة ومحوضته في الفعلية ، لم يكن معنى لحضور شيء عنده ، فالنفس الإنسانية العاقلة مجردة من المادة ، وهي جوهر لكونها صورة لنوع جوهري ، وصورة الجوهر جوهر على ما تقدم (٢).
وأما العقل فلما سيأتي (٣) ، أن النفس في مرتبة العقل الهيولاني ، أمر بالقوة بالنسبة إلى الصور المعقولة لها ، فالذي يفيض عليها الفعلية فيها ، يمتنع أن يكون نفسها وهي بالقوة ، ولا أي أمر مادي مفروض ، فمفيضها جوهر مجرد ، منزه عن القوة والإمكان وهو العقل.
__________________
(١) في الفصل الأول والثاني من المرحلة الحادي عشرة.
(٢) في الفصل الثاني.
(٣) في فصل الخامس من المرحلة الحادية عشرة.