بعض تلك الأسباب أنّه ممّا حرّمه الشارع وإن لم يعلم به المكلّف. ومنه جوائز الجائر ، ونكاح امرأة بلغك أنّها ارتضعت (١) معك الرضاع المحرّم إلاّ أنّه لم يثبت ذلك شرعا ، ومنه أيضا الدليل المرجوح في نظر الفقيه.
أمّا إذا لم يحصل ما يوجب الشكّ والريبة ، فإنّه يعمل على ما طهر له من الأدلّة وإن احتمل النقيض باعتبار الواقع ، ولا يستحبّ له الاحتياط هنا ، بل ربما كان مرجوحا ؛ لاستفاضة الأخبار بالنهي عن السؤال عند الشراء من سوق المسلمين.
ثمّ ذكر الأمثلة للأقسام الثلاثة لوجوب الاحتياط ، أعني اشتباه الدليل وتردّده بين الوجوب والاستحباب ، وتعارض الدليلين ، وعدم النصّ ، قال :
ومن هذا القسم : ما لم يرد فيه نصّ من الأحكام التي لا يعمّ بها البلوى عند من لم يعتمد على البراءة الأصليّة ، فإنّ الحكم فيه ما ذكر ، كما سلف (٢) ، انتهى.
وممّن يظهر منه وجوب الاحتياط هنا : المحدّث الأستراباديّ ، حيث حكي عنه في الفوائد المدنيّة ، أنّه قال :
إنّ التمسّك بالبراءة الأصليّة من حيث هي هي إنّما يجوز قبل إكمال الدين ، وأمّا بعد تواتر الأخبار بأنّ كلّ واقعة محتاج إليها فيها خطاب قطعيّ من قبل الله تعالى ، فلا يجوز قطعا ؛ وكيف يجوز؟
__________________
(١) في (ر) والمصدر : «أرضعت».
(٢) الحدائق ١ : ٦٨ ـ ٧٠.