قول الشارع : «اجتنب عن الخمر» شامل للخمر الواقعيّ الذي لم يعلم به المكلّف ولو إجمالا ، وحلّيته في الظاهر لا يوجب خروجه عن العموم المذكور حتّى لا يكون حراما واقعيّا ، فلا ضير في التزام ذلك في الخمر الواقعيّ المعلوم إجمالا.
قبح جعل الحكم الظاهري مع علم المكلّف بمخالفته للحكم الواقعي
قلت : الحكم الظاهريّ لا يقدح مخالفته للحكم الواقعيّ في نظر الحاكم مع جهل المحكوم بالمخالفة ؛ لرجوع ذلك إلى معذوريّة المحكوم الجاهل كما في أصالة البراءة ، وإلى (١) بدليّة الحكم الظاهريّ عن الواقع أو كونه طريقا مجعولا إليه ، على الوجهين في الطرق الظاهريّة المجعولة.
وأمّا مع علم المحكوم بالمخالفة فيقبح من الجاعل جعل كلا الحكمين ؛ لأنّ العلم بالتحريم يقتضي وجوب الامتثال بالاجتناب عن ذلك المحرّم ، فإذن الشارع في فعله ينافي حكم العقل بوجوب الإطاعة.
فإن قلت : إذن الشارع في فعل المحرّم مع علم المكلّف بتحريمه إنّما ينافي حكم العقل من حيث إنّه إذن في المعصية والمخالفة ، وهو إنّما يقبح مع علم المكلّف بتحقّق المعصية حين ارتكابها ، والإذن في ارتكاب المشتبهين ليس كذلك إذا كان على التدريج ، بل هو إذن في المخالفة مع عدم علم المكلّف بها إلاّ بعدها ، وليس في العقل ما يقبّح ذلك ؛ وإلاّ لقبّح الإذن في ارتكاب جميع المشتبهات بالشبهة الغير المحصورة ، أو في ارتكاب مقدار يعلم عادة بكون الحرام فيه ، وفي ارتكاب الشبهة المجرّدة التي يعلم المولى اطّلاع العبد بعد الفعل على كونه معصية ، وفي الحكم بالتخيير الاستمراريّ بين الخبرين أو فتوى المجتهدين.
__________________
(١) في (ص): «أو إلى».