تعارض الأدلّة
١ ـ التعارض بين الأدلّة المحرزة.
٢ ـ التعارض بين الاصول.
٣ ـ التعارض بين النوعين.
تعارض الأدلّة
١ ـ التعارض بين الأدلّة المحرزة.
٢ ـ التعارض بين الاصول.
٣ ـ التعارض بين النوعين.
عرفنا في ما سبق أنّ الأدلّة على قسمين ، وهما : الأدلّة المحرزة ، والاصول العملية ، ومن هنا يقع البحث : تارةً في التعارض بين دليلين من الأدلّة المحرزة ، واخرى في التعارض بين أصلين عمليَّين ، وثالثةً في التعارض بين دليلٍ محرزٍ وأصلٍ عملي ، فالكلام في ثلاث نقاطٍ نذكرها في ما يلي تباعاً إن شاء الله تعالى.
١ ـ التعارض بين الأدلّة المحرزة
والتعارض بين دليلين محرزين معناه التنافي بين مدلوليهما ، وهو على أقسام :
منها : أن يحصل في نطاق الدليل الشرعيّ اللفظيّ بين كلامين صادرين من المعصوم.
ومنها : أن يحصل بين دليلٍ شرعيٍّ لفظيٍّ ودليلٍ عقلي.
ومنها : أن يحصل بين دليلين عقليَّين.
حالة التعارض بين دليلين لفظيَّين :
في حالة التعارض بين دليلين لفظيّين توجد قواعد ، نستعرض في ما يلي عدداً منها :
١ ـ من المستحيل أن يوجد كلامان للمعصوم يكشف كلّ منهما بصورةٍ قطعيةٍ عن نوعٍ من الحكم يختلف عن الحكم الذي يكشف عنه الكلام الآخر ؛ لأنّ التعارض بين كلامين صريحين من هذا القبيل يؤدّي إلى وقوع المعصوم في التناقض ،
وهو مستحيل.
٢ ـ قد يكون أحد الكلامين الصادرين من المعصوم نصّاً صريحاً وقطعياً ، ويدلّ الآخر بظهوره على ما ينافي المعنى الصريح لذلك الكلام.
ومثاله : أن يقول الشارع في حديثٍ مثلاً : «يجوز للصائم أن يرتمس في الماء حال صومه» ، ويقول في حديثٍ آخر : «لا ترتمس في الماء وأنت صائم» ، فالكلام الأوّل دالّ بصراحةٍ على إباحة الارتماس للصائم ، والكلام الثاني يشتمل على صيغة نهي ، وهي تدلّ بظهورها على الحرمة ؛ لأنّ الحرمة هي أقرب المعاني إلى صيغة النهي وإن أمكن استعمالها في الكراهة مجازاً ، فينشأ التعارض بين صراحة النصّ الأوّل في الإباحة وظهور النصّ الثاني في الحرمة ؛ لأنّ الإباحة والحرمة لا يجتمعان. وفي هذه الحالة يجب الأخذ بالكلام الصريح القطعي ؛ لأنّه يؤدّي إلى العلم بالحكم الشرعي ، فنفسّر الكلام الآخر على ضوئه ونحمل صيغة النهي فيه على الكراهة ؛ لكي ينسجم مع النصّ الصريح القطعيّ الدالّ على الإباحة.
وعلى هذا الأساس يتّبع الفقيه في استنباطه قاعدةً عامّة ، وهي : الأخذ بدليل الإباحة والرخصة إذا عارضه دليل آخر يدلّ على الحرمة أو الوجوب بصيغة نهيٍ أو أمر ؛ لأنّ الصيغة ليست صريحة ، ودليل الإباحة والرخصة صريح غالباً.
٣ ـ قد يكون موضوع الحكم الذي يدلّ عليه أحد الكلامين أضيقَ نطاقاً وأخصَّ دائرةً من موضوع الحكم الذي يدلّ عليه الكلام الآخر. ومثاله : أن يقال في نصٍّ : «الربا حرام» ، ويقال في نصٍّ آخر : «الربا بين الوالد وولده مباح» ، فالحرمة التي يدلّ عليها النصّ الأوّل موضوعها عامّ ؛ لأنّها تمنع بإطلاقها عن التعامل الربويّ مع أيّ شخص ، والإباحة في النصّ الثاني موضوعها خاصّ ؛ لأنّها تسمح بالربا بين الوالد وولده خاصّة ، وفي هذه الحالة تقدّم النصّ الثاني على الأوّل ؛ لأ نّه يعتبر بوصفه أخصَّ موضوعاً من الأوّل قرينةً عليه ، بدليل أنّ المتكلِّم لو
أوصَل كلامه الثاني بكلامه الأوّل فقال : «الربا في التعامل مع أيّ شخصٍ حرام ، ولا بأس به بين الوالد وولده» لأبطل الخاصّ مفعول العامِّ وظهوره في العموم.
وقد عرفنا سابقاً (١) أنّ القرينة تُقدَّم على ذي القرينة ، سواء كانت متّصلةً أو منفصلة.
ويسمّى تقديم الخاصِّ على العامّ «تخصيصاً» للعامّ إذا كان عمومه ثابتاً بأداةٍ من أدوات العموم ، و «تقييداً» له إذا كان عمومه ثابتاً بالإطلاق وعدم ذكر القيد.
ويسمّى الخاصّ في الحالة الاولى «مخصِّصاً» وفي الحالة الثانية «مقيِّداً».
وعلى هذا الأساس يتَّبع الفقيه في الاستنباط قاعدةً عامة ، وهي : الأخذ بالمخصِّص والمقيِّد وتقديمهما على العامّ والمطلق. إلاّأنّ العام والمطلق يظلّ حجّةً في غير ما خرج بالتخصيص والتقييد ، إذ لا يجوز رفع اليد عن الحجّة إلاّبمقدار ما تقوم الحجّة الأقوى على الخلاف ، لا أكثر.
٤ ـ وقد يكون أحد الكلامين دالاّ على ثبوت حكمٍ لموضوع ، والكلام الآخر ينفي ذلك في حالةٍ معيّنةٍ بنفي ذلك الموضوع.
ومثاله : أن يقال في كلامٍ : «يجب الحجّ على المستطيع» ، ويقال في كلامٍ آخر : «المَدِين ليس مستطيعاً» ، فالكلام الأوّل يوجب الحجّ على موضوعٍ محدّدٍ وهو المستطيع ، والكلام الثاني ينفي صفة المستطيع عن المَدِين ، فيؤخذ بالثاني ويسمّى «حاكماً» ، ويسمّى الدليل الأوّل «محكوماً».
وتسمّى القواعد التي اقتضت تقديم أحد الدليلين على الآخر في هذه الفقرة والفقرتين السابقتين ب «قواعد الجمع العرفي».
٥ ـ إذا لم يوجد في النصّين المتعارضين كلام صريح قطعي ، ولا ما يصلح أن
__________________
(١) في بحث حجّية الظهور ، تحت عنوان : القرينة المتّصلة والمنفصلة
يكون قرينةً على تفسير الآخر ومخصِّصاً له أو مقيِّداً أو حاكماً عليه فلا يجوز العمل بأيِّ واحدٍ من الدليلين المتعارضين ؛ لأنّهما على مستوىً واحدٍ ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.
حالات التعارض الاخرى :
وحالات التعارض بين دليلٍ لفظيٍّ ودليلٍ من نوعٍ آخر ، أو دليلين من غير الأدلّة اللفظية لها قواعد أيضاً نشير إليها ضمن النقاط التالية :
١ ـ الدليل اللفظيّ القطعيّ لا يمكن أن يعارضه دليل عقليّ قطعي ؛ لأنّ دليلاً من هذا القبيل إذا عارض نصّاً صريحاً من المعصوم عليهالسلام أدّى ذلك إلى تكذيب المعصوم عليهالسلام وتخطئته ، وهو مستحيل.
ولهذا يقول علماء الشريعة : إنّ من المستحيل أن يوجَد أيّ تعارضٍ بين النصوص الشرعية الصريحة وأدلّة العقل القطعية.
وهذه الحقيقة لا تفرضها العقيدة فحسب ، بل يبرهن عليها الاستقراء في النصوص الشرعية ودراسة المعطيات القطعية للكتاب والسنّة ، فإنّها جميعاً تتّفق مع العقل ، ولا يوجد فيها ما يتعارض مع أحكام العقل القطعية إطلاقاً.
٢ ـ إذا وجد تعارض بين دليلٍ لفظيٍّ ودليلٍ آخر ليس لفظياً ولا قطعياً قدّمنا الدليل اللفظي ؛ لأنّه حجّة ، وأمّا الدليل غير اللفظيّ فهو ليس حجّةً ما دام لا يؤدّي إلى القطع.
٣ ـ إذا عارض الدليل اللفظيّ غير الصريح دليلاً عقلياً قطعياً قُدِّم العقليّ على اللفظي ؛ لأنّ العقليّ يؤدّي إلى العلم بالحكم الشرعي ، وأمّا الدليل اللفظيّ غير الصريح فهو إنّما يدلّ بالظهور ، والظهور إنّما يكون حجّةً بحكم الشارع إذا لم نعلم ببطلانه ، ونحن هنا على ضوء الدليل العقليّ القطعيّ نعلم بأنّ الدليل اللفظيّ لم يَرِدِ