وثانيا : أنّ أصالة الإباحة إنّما هي فيما لا يستقلّ العقل بقبحه ، وقد عرفت استقلال العقل بقبح التعبّد بالظنّ من دون العلم بوروده من الشارع.
الوجه الثالث والناقشة فبه
ومنها : أنّ الأمر في المقام دائر بين الوجوب والتحريم ، ومقتضاه التخيير أو ترجيح جانب التحريم ؛ بناء على أنّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.
وفيه : منع الدوران ؛ لأنّ عدم العلم بالوجوب كاف في ثبوت التحريم ؛ لما عرفت (١) : من إطباق الأدلّة الأربعة على عدم جواز التعبّد بما لم يعلم (٢) وجوب التعبّد (٣) به من الشارع ؛ ألا ترى : أنّه إذا دار الأمر بين رجحان عبادة وحرمتها ، كفى عدم ثبوت الرجحان في ثبوت حرمتها.
الوجه الرابع والناقشة فبه
ومنها : أنّ الأمر في المقام دائر بين وجوب تحصيل مطلق الاعتقاد بالأحكام الشرعيّة المعلومة إجمالا ، وبين وجوب تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي ، فيرجع إلى الشكّ في المكلّف به وتردّده بين التخيير والتعيين ، فيحكم بتعيين تحصيل خصوص الاعتقاد القطعي ؛ تحصيلا لليقين بالبراءة ، خلافا لمن لم يوجب ذلك في مثل المقام.
وفيه :
أوّلا : أنّ وجوب تحصيل الاعتقاد بالأحكام مقدّمة عقليّة للعمل
__________________
(١) راجع الصفحة ١٢٥.
(٢) كذا في (ظ) و (م) ، وفي غيرهما : «لا يعلم».
(٣) لم ترد عبارة : «بما لم يعلم وجوب التعبّد» في (ه).