الوضوء ، ولعلّها من باب الأفضلية والاستحباب دون الوجوب ، ومن هنا لم ترد خصوصية غسله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أعلى الوجه إلى أسفله في غير هذه الروايات من الأخبار الواردة في الوضوءات البيانية وهي عدّة روايات ، فإثبات وجوب تلك الكيفية بهذه الروايات مما لا يمكن المساعدة عليه.

ولا سبيل إلى دعوى وجوبها من جهة وجوب التأسي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لا مجال لوجوب التأسي في المباحات والمستحبّات ، وقد دلّتنا الآية المباركة بإطلاقها على عدم وجوب الابتداء بالأعلى إلى الأسفل في غسل الوجه ، هذا.

التذييل المنسوب إلى العلاّمة والشهيد ( قدس‌سرهما ):

وقد نسب إلى العلاّمة في المنتهي (١) والشهيد في الذكرى (٢) ( قدس الله أسرارهما ) تذييل الصحيحة المتقدمة بقولهما : روي عنه عليه‌السلام أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال بعد ما توضأ : « إن هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به » وهذا على تقدير ثبوته أيضاً تدلنا على وجوب تلك الكيفية في الوضوء ، ومعه لا بدّ من الحكم باعتبار البدء بالأعلى إلى الأسفل في غسل الوجه وغيره من الخصوصيات المذكورة في الرواية ، إلاّ أن يقوم دليل على عدم وجوبها ، وسرّه أن المشار إليه في قوله : « هذا وضوء » ليس هو الوضوء الشخصي الصادر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف وهو أمر قد انقضى وانصرم ولا يمكن صدوره منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا من الباقر عليه‌السلام أو غيرهما ، بل إنما هو إشارة إلى صنف ذلك الشخص ، وهو الوضوء المشتمل على الخصوصيات المذكورة في الرواية فلا مناص من الحكم بوجوبها.

ودعوى : أن الإشارة إلى طبيعة الوضوء لا إلى صنف ذلك الشخص الصادر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مندفعة بأن المحمول في قوله : « إن هذا وضوء » هو الوضوء ولا يصح هذا فيما إذا أُريد من قوله « هذا » هو الطبيعي ، لأنه يؤول إلى قوله إن طبيعي‌

__________________

(١) المنتهي ١ : ٣٢.

(٢) الذكرى : ٨٣ السطر ٢٤.

۴۴۶