العلماء وقامت القرينة على الترخيص في ترك الإكرام لبعضهم ، فلا محالة يكون الإكرام بالنسبة إلى ذلك البعض مستحباً وبالنسبة إلى البقية محكوماً بالوجوب ، وفي المقام لما قامت القرينة على الترخيص في ترك المسح الذي هو قيد المأمور به كان الأمر بالإضافة إليه استحبابياً لا محالة. وأما بالنسبة إلى المأمور به وهو الغسل من الأعلى إلى الأسفل فهو أمر وجوبي ، لعدم قيام القرينة على الترخيص في تركه ، فعلى تقدير تمامية الرواية بحسب السند لا ترد عليها المناقشة بحسب الدلالة ، إذن فالعمدة هي المناقشة فيها بحسب السند.

الوجه الثالث ممّا استدل به للقول المشهور هو : الروايات البيانية الواردة في حكاية وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها : صحيحة زرارة قال : « حكى لنا أبو جعفر عليه‌السلام وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا بقدح من ماء فأخذ كفاً من ماء فأسدله على وجهه من أعلى الوجه ، ثم مسح وجهه من الجانبين جميعاً ، ثم أعاد يده اليسرى في الإناء ... » (١).

وقوله « ثم مسح وجهه من الجانبين جميعاً » لعله بمعنى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استعان بيده اليسرى كما استعان باليمنى فأمرّهما معاً على جانبيه ، وقد ورد في بعض الأخبار أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يستعين بيده اليسرى في الوضوء (٢) وفي بعض تلك الروايات أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع الماء على جبهته (٣) وهي كما ترى كالصريحة في أن الغسل لا بدّ أن يكون من أعلى الوجه إلى أسفله.

ولكن للمناقشة في دلالتها على اعتبار ذلك مجال واسع ، وذلك لأن أبا جعفر عليه‌السلام إنما حكى فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضوءه ، وأنه كان يتوضأ بتلك الكيفية ، وليست فيها أية دلالة على أن تلك الكيفية كانت واجبة في‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٩٠ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٦.

(٢) كما فيما رواه بكير وزرارة ابنا أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام المروية في الوسائل ١ : ٣٩٢ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١١.

(٣) كما في صحيحة زرارة المروية في الوسائل ١ : ٣٨٧ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

۴۴۶