الوجه الأوّل : أن ذلك مقتضى أصالة الاشتغال ، لعدم العلم بالفراغ فيما إذا لم يبتدأ من الأعلى إلى الأسفل ، وهذا الاستدلال يبتني على أمرين :

أحدهما : أن لا يكون هناك دليل دل بإطلاقه على جواز الغسل بأية كيفية كانت لوضوح أن مع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى التمسك بالأصل.

وثانيهما : عدم جريان البراءة في الطهارات الثلاث ، بدعوى أن المأمور به فيها إنما هو تحصيل الطهارة وهو أمر معلوم ، وإنما الشك في أسبابها ومحصلاتها ، إذن فالشك في المكلف به دون التكليف ، ولا تجري معه أصالة البراءة في شي‌ء من الطهارات.

والأمران كلاهما ممنوعان ، أما الأول فلأن الآية المباركة ﴿ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ (١) مطلقة وقد دلتنا على وجوب غسل الوجه واليدين ولزوم مسح الرأس والرجلين من غير تقييدها الغسل بأن يبتدأ من الأعلى إلى الأسفل ، فمقتضى إطلاقها جواز النكس في الغسل.

ودعوى أن الآية بصدد التشريع وبيان أصل الحكم في الشريعة المقدسة ، وليست ناظرة إلى كيفياته وخصوصياته ، مما لا شاهد له لوضوح أنها قد وردت بصدد البيان وبيّنت حدود الغسل والمسح الواجبين ، وأنه لا بدّ من أن يكون الغسل في اليدين من المرفق ، وأن محله إنما هو في الوجه واليدين كما أن المسح في الرأس والرجلين ، وحيث لم يقيد فيها الغسل بكيفية معينة فيستفاد منها كفاية الغسل على وجه الإطلاق كما هو المدعى.

وكذلك الأخبار الواردة في كيفية وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بعض الأوصياء عليهم‌السلام كالروايات المشتملة على أنه عليه‌السلام دعا بماء وأخذ كفاً منه فغسل به وجهه ويديه (٢) فإنها كما ترى مطلقة وليست مقيّدة بكيفية دون كيفية ، هذا كله في الأمر الأوّل.

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

(٢) الوسائل ١ : ٣٨٧ / أبواب الوضوء ب ١٥.

۴۴۶