في الروايات هو قلة الدهن في التدهين ، فان في موارد التدهين لا يستعمل الدهن إلاّ قليلاً ، فتؤخذ بمقدار الراحة من الدهن فيدهن به ، كما ورد التصريح بذلك في صحيحة محمد بن مسلم الواردة في كيفية الوضوء ، حيث قال أبو جعفر عليه‌السلام « يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده ، والماء أوسع ... » (١) فكذلك الحال في الوضوء ، فيكتفى فيه بالمقدار القليل من الماء ، ولا يعتبر فيه استعمال الماء الكثير وأوسعية الماء في الصحيحة إنما هي بلحاظ سرعة جريانه ، وقد ورد في صحيحة الحلبي الأمر بالاسباغ عند كثرة الماء ، والاكتفاء بالقليل عند قلته ، حيث قال : « أسبغ الوضوء إن وجدت ماءً ، وإلاّ فإنه يكفيك اليسير » (٢) ، وعلى الجملة التشبيه إنما هو في الكم والمقدار دون الكيف وإيصال النداوة بالتمسح.

وما ذكرناه إما هو الظاهر من الأخبار المتقدمة ، أو لا أقل من أنه القدر المتيقن منها ، كيف وحملها على كفاية إيصال النداوة بالمسح ينافي الصحيحة المتقدمة التي دلّت على اعتبار جريان الماء في الوضوء ، كما ينافي ذلك ما ورد في الآية المباركة والروايات من الأمر بغسل الوجه واليدين ، فان الغسل يعتبر فيه استيلاء الماء على البشرة وانفصاله عنها كما لا يخفى ، ومجرد إيصال النداوة إلى البشرة غير كاف في تحقق مفهوم الغسل ، لوضوح أن النداوة ليست بماء ، وأيضاً ينافيه الأخبار البيانية الواردة في الوضوء المشتملة على حكاية فعلهم عليهم‌السلام من أنه أخذ كفاً من الماء وغسل به وجهه ويديه (٣).

الثالث : أن يكون المعتبر في غسل الوجه واليدين أمراً متوسطاً بين الاحتمالين المتقدّمين ، بأن يكون الواجب هو استيلاء الماء على البشرة دون مجرّد إيصال النداوة إليها ، إلاّ أنه لا يعتبر انفصال الغسالة عنها ، بل لو أوصل الماء إلى بشرته ولو بالتمسّح على نحو لم ينفصل عنها ولو قطرة واحدة كفى هذا في صحّة وضوئه.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٩١ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٧.

(٢) الوسائل ١ : ٤٨٥ / أبواب الوضوء ب ٥٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ١ : ٣٨٧ / أبواب الوضوء ب ١٥.

۴۴۶