حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ، رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (١) فصدر الآية المباركة إنما ورد في المشركين وأهل الكتاب الذين عبدوا غير الله سبحانه من الوثن والعزير أو عيسى بن مريم ، مع أنهم إنما أُمروا ليعبدوا الله خاصة.

فالآية المباركة بصدد بيان انحصار المعبود بالله العظيم ، وأن عبادة غيره أمر غير جائز ، وأين هذا من اعتبار قصد التقرب والامتثال في الواجبات. فالآية أجنبية عما نحن بصدده بالكلية ، هذا كله فيما استدلّ به على هذا الأصل من الآيات المباركة.

وأما ما استدلّ به من الأخبار على أن الأصل في كل واجب أن يكون عباديا يعتبر في سقوط أمره قصد التقرب والامتثال ، فهو جملة من الروايات الواردة بمضمون أن الأعمال بالنيّات (٢) ولا عمل إلاّ بنيّة (٣) ولكل امرئ ما نوى (٤) بدعوى أن النفي في هذه الأخبار إنما ورد على نفي وصف الصحة دون الذات ، لوضوح تحقق الذات مع عدم قصد القربة والامتثال ، فتدلنا على أن العمل الفاقد لنية القربة فاسد لا يترتب عليه أي أثر ، هذا.

والمحتملات فيما أُريد بالنيّة في هذه الروايات أُمور :

الأوّل : أن المراد بها نيّة القربة وقصد الامتثال ، وهذا الاحتمال هو الذي يبتني عليه الاستدلال في المقام.

ويردّه : مضافاً إلى أن النيّة ليست بحسب العرف واللغة بمعنى قصد القربة والامتثال أن لازم حمل النيّة على ذلك لزوم تخصيص الأكثر وهو أمر مستهجن ، فان العبادات في جنب التوصليات قليلة في النهاية ، والصحة في التوصليات لا تنتفي بعدم قصد القربة والامتثال. على أنه ينافيه بعض الروايات كما يأتي قريباً إن شاء الله.

الثاني : أن يراد بها قصد عناوين الأفعال ، وأن الفعل إذا اتي به من دون أن يقصد عنوانه وقع فاسداً ولا يترتب عليه أيّ أثر في الخارج ، مثلاً إذا غسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه ولكنه لا بقصد عنوان الوضوء لم يترتّب عليه أيّ أثر لدى‌

__________________

(١) البيّنة ٩٨ : ٤ ، ١ ، ٢.

(٢) ، (٣) ، (٤) الوسائل ١ : ٤٦ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٥.

۴۴۶