بقي هناك أمران ينبغي التنبيه عليهما :

أحدهما : أن المدار في جفاف الأعضاء السابقة هل على الجفاف الفعلي أو أن المعتبر هو الجفاف التقديري نظير التغير التقديري في الماء؟

وجّه شيخنا الأنصاري قدس‌سره (١) الاحتمال الثاني ، بل قواه واختاره على ما ينسب إليه ، نظراً إلى أن قوله عليه‌السلام « حتى يبس وضوءك » أو « فيجف وضوئي » في الموثقة والصحيحة المتقدِّمتين (٢) منصرفان إلى اليبس المتعارف العادي وأفاد أنه على ذلك يعتبر في الجفاف المبطل للوضوء أن يكون على نحو لو كان التوضؤ في الهواء المعتدل لجف ، وأما الجفاف في الهواء غير المعتدل وعدمه فهما خارجان عن مورد الروايتين ، فلو فرضنا أنه جفت أعضاؤه في الهواء الحار الشديد أو بقيت على رطوبتها من جهة برودة الهواء ورطوبته كما في أيام الربيع مثلاً ، فهو خارج عن مورد الصحيحة والموثقة.

وفيه : مضافاً إلى أن حمل الجفاف على التقديري خلاف ظاهر الروايتين ، أن غاية ما يلزم على ذلك أن يكون عدم الجفاف في الهواء غير المعتدل خارجاً عن مورد الروايتين ، لأنهما إنما دلتا على صحة الوضوء فيما إذا لم تجف الأعضاء المتقدِّمة من جهة التأخير والإبطاء أي لم يفصل زمان تجف فيه الأعضاء على تقدير حرارة الهواء ، وأما إذا فرضنا تخلل زمان تجف فيه الأعضاء على تقدير اعتدال الهواء غير أنها لم تجف لعدم اعتدال الهواء فهو خارج عن مورد الروايتين ، وأما أن الوضوء يبطل حينئذٍ فهو يحتاج إلى دليل ، فهب أنه خارج عن موردهما ، إلاّ أن مقتضى الإطلاق كما قدّمناه عدم اعتبار الموالاة في الوضوء ، وأن حاله حال الغسل بعينه ، وإنما خرجنا عنها فيما إذا جفّت الأعضاء لأجل التأخير فحسب ، وبقي غيره مشمولاً للإطلاقات ، هذا.

على أنّ الأخبار الواردة في من نسي المسح في وضوئه وأنه يأخذ البلّة من لحيته‌

__________________

(١) في كتاب الطهارة : ١٣٥ السطر ٢٥.

(٢) في ص ٣٨٨.

۴۴۶