واحدة بأجمعها وإنما يؤتى ببعضها قبل بعضها الآخر فالتتابع متحقق فيه في نفسه ، وإنما أراد عليه‌السلام أن يبين كيفية التتابع وأنه إنما يحصل بتقديم غسل الوجه على غسل اليدين ، وبتقديمهما على مسح الرأس ثم الرجلين.

الثالثة : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه ، وإن كان إنما نسي شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضأ وقال : اتبع وضوءك بعضه بعضاً » (١) وقد استدلّ بالجملة الأخيرة على اعتبار الموالاة العرفية في الوضوء.

ويرده : أن الاتباع المأمور به في الرواية ليس بمعنى الموالاة العرفية ، وإنما معناه الترتيب المعتبر في الوضوء بقرينة صدرها ، وهو إنما ذكر كالدليل على الحكم المذكور في صدر الرواية ، ويبين أن الوجه فيه هو لزوم الاتباع في الوضوء.

على أنّا لو سلمنا أنه بمعنى الموالاة فهي بمعنى عدم جفاف الأعضاء المتقدمة ، وذلك لعين ما قدمناه في الرواية الاولى من أن موردها النسيان ، والناسي غير مكلف بالموالاة العرفية ، وإنما يكلف بالموالاة بالمعنى الثاني حسبما تقتضيه الموثقة والصحيحة المتقدِّمتان ، ومع كون المورد هو الناسي كيف تحمل الرواية على المتعمد ويراد منها اعتبار الموالاة العرفية في الوضوء.

والمتحصل : أنه لم يقم على اعتبار الموالاة العرفية دليل حتى نحمله على العامد ونحمل الموثقة والصحيحة على الناسي ، فلا وجه للتفرقة بينهما أعني العامد والناسي بدعوى أنه مقتضى الجمع بين الدليلين ، بل قد عرفت أن مقتضى إطلاق الآية المباركة وبقية الأخبار المطلقة الآمرة بغسل الوجه واليدين عدم اعتبار الموالاة في الوضوء وأن حاله حال الغسل ، فله أن يأتي بجزء منه في زمان وبالجزء الآخر في زمان آخر إلاّ المسح لأنه لا بدّ وأن يقع عقيب غسل اليدين أعني قبل جفافهما ، لاعتبار أن يكون‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٥٢ / أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٩.

۴۴۶