لا يسع للمتوضئ أن يقدِّم ما هو متأخِّر أو يؤخِّر ما هو متقدِّم منها.

وثالثاً : أنّا لو سلمنا أن قوله عليه‌السلام « يتبع بعضه بعضاً » بمعنى الموالاة في الوضوء ، فلا مناص من حمله على الموالاة بمعنى جفاف الأعضاء السابقة ، لأن موردها إنما هو الناسي وهو غير مكلف بالموالاة حسبما تقتضيه الموثقة والصحيحة المتقدِّمتان ، وإنما موالاته بمعنى عدم جفاف الأعضاء السابقة ، وقد تقدم أنه تعبدي في الجملة كما أنه في الجملة أيضاً موافق للذوق العرفي ، لأن العرف يرى استمرار العمل وعدم انقطاعه عما تقدم ما دامت الرطوبة باقية على أعضاء الوضوء ، ومع ورود الرواية في مورد النسيان كيف يحمل ذيلها على العامد وغير الناسي. إذن لا مجال لحمل التبعية فيها على الموالاة العرفية حتى يحمل على العامد لمنافاته مورد الرواية كما عرفت.

الثانية : صحيحة زرارة قال « قال أبو جعفر : تابع بين الوضوء كما قال الله عزّ وجلّ ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس والرجلين ، ولا تقدِّمن شيئاً بين يدي شي‌ء ... » (١) مدعياً أن كلمة « تابع » بمعنى الإتيان بالأجزاء متوالية.

ويدفعه : أن كلمة « تابع » في الصحيحة ليست بمعنى الموالاة قطعاً ، لأنه عليه‌السلام استشهد بقول الله عزّ وجلّ ، مع وضوح أن الآية المباركة أجنبية عن الدلالة على اعتبار الموالاة العرفية. بل ذكرنا أن مقتضى إطلاقها كبقية الأخبار المطلقة عدم اعتبار الموالاة في الوضوء كما هي غير معتبرة في الغسل ، بل إنما هي بمعنى الترتيب لأنه الذي ذكره الله سبحانه بقوله « ﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... » ومن ثمة قال عليه‌السلام « ابدأ بالوجه ... ».

وعلى الجملة قد يراد بالاتباع الإتيان بالأجزاء متوالية ، وقد يراد منه الإتيان بالأجزاء بعضها بعد بعض وإن لم تكن متوالية ، وقد عرفت أن الأول غير مراد في الصحيحة ، وحيث إن الوضوء متركب من أُمور متعدِّدة لا يمكن الإتيان بها مرّة‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٤٨ / أبواب الوضوء ب ٣٤ ح ١.

۴۴۶