ـ أعني الغسل الثاني فهو أمر مستحب ، وقد زاده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما في بعض الروايات (١).

وأمّا ما دلّ على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان ملتزماً بالغسل مرة في وضوئه فليس إلاّ حكاية فعل صادر عنه وهو مجمل غير مبين الوجه في الرواية ، فلا ينافي الأخبار المعتبرة الدالة على أن الغسل ثانياً أمر مندوب في الشريعة المقدسة ، وغاية الأمر أنّا لا نفهم الوجه في فعله عليه‌السلام وأنه لماذا كان ملتزماً بالغسل الواحد ولا يمكننا رفع اليد عن الأخبار الظاهرة بالفعل المجمل ، وهذا ظاهر. ولعل فعله هذا من جهة أن له ( سلام الله عليه ) كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحكاماً اختصاصية ، كعدم حرمة دخوله المسجد في حال جنابته على ما اشتملت عليه الروايات ، فليكن هذا الحكم أيضاً من تلك الأحكام المختصة به.

ويؤكِّد هذا الاحتمال رواية داود الرقي عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث قال : « ما أوجبه الله فواحدة وأضاف إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحدة لضعف الناس » (٢) إذ الناس لا يبالون ولا يهتمون بأفعالهم فقد يتسامحون فلا يغسلون موضعاً من وجوههم وأيديهم فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغسل ثانياً لاسباغ الوضوء.

ومن هنا يظهر أن استحباب الغسل الثاني من الوضوء إنما يختص بالرعايا ، لأنهم الذين لا يبالون في أفعالهم وواجباتهم وهم الضعفاء في دينهم دون المعصومين عليهم‌السلام إذ لا ضعف في أيمانهم ولا يتصوّر فيهم الغفلة أبداً ، وعلى هذا تحمل الأخبار الدالّة على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتوضأ مرّة مرّة (٣) على تقدير صحّة أسانيدها.

وكيف كان فسواء صح هذا الاحتمال أم لم يصح لا يسوغ لنا رفع اليد عن الروايات‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٣٩ / أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١٥ ، ٤٤٣ / أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ١ : ٤٤٣ / أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ١ : ٤٣٦ / أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٥ ، ١٠ ، ٢١.

۴۴۶