يقال : إن الوضوء الذي له غايتان إحداهما واجبة والأُخرى مستحبة إذا أتى به بقصد الغاية المستحبّة وقع فاسداً ، وذلك لأن الاستحباب إنما نشأ عن عدم المقتضي للوجوب ولا ينشأ من المقتضي لعدم الوجوب ، فان الاستحباب إنما ينشأ عن الملاك غير البالغ حد الإلزام ، أعني عدم كون الملاك ملزماً ، ولا ينشأ عن الملاك الملزم لعدم الوجوب ، إذن فهو لا يقتضي عدم الوجوب ، وأما الوجوب فهو مقتض لعدم الاستحباب لنشوه عن الملاك الملزم للوجوب وهو يمنع عن تركه ، ومعه لا يبقى أيّ نزاع في البين ، لوضوح أنه لا تنافي بين المقتضي واللاّمقتضي ، فاذا تحقق الوجوب ارتفع الاستحباب لا محالة.

وعلى الجملة : الوضوء إذا كان مقدمة للواجب اتصف بالوجوب لا محالة ، وهذا يمنع عن اتصافه بالاستحباب ، ويصح معه أن يقال : إن ما قصده من الاستحباب لم يقع ، وما وقع من الأمر الوجوبي لم يقصد ، فلا بدّ من الحكم بالفساد.

والجواب عن ذلك : أن المكلف قد يأتي بالوضوء قاصداً به الغاية المستحبة من دون أن يقصد الأمر الندبي المتعلق بالوضوء ، وهذا مما لا إشكال في صحّته ، بل هو خارج عن محل الكلام ، لوضوح أن قصد الغاية المندوبة غير مناف لوجوب الوضوء فان للمكلف أن يأتي بالوضوء الواجب بداعي الوصول به إلى تلك الغاية المندوبة كنافلة الفجر فإنها مستحبة سواء أكان الوضوء أيضاً مستحباً أم لم يكن ، فلا ينافي الوجوب الوصفي في الوضوء للندب الغائي بوجه كما أشار إليه الماتن قدس‌سره وما أفاده في المتانة بمكان ، فان المكلف حينئذٍ قد أتى بالغسلتين والمسحتين متقرباً بهما إلى الله سبحانه ، فلا مناص معه من أن يحكم بصحته ، كما أنه يصح أن يؤتى به الغاية الواجبة المترتبة عليه أيضاً لتحقق الطهارة التي هي المقدمة للصلاة الواجبة.

وأُخرى يأتي بالوضوء ويقصد به الأمر الندبي المتعلق به دون الغاية المندوبة المترتبة عليه ، وهذا هو الذي وقع الكلام في صحته وفساده ، بدعوى أن مع الوجوب المقدمي الغيري شرعاً لا يعقل ان يتصف الوضوء بالاستحباب.

وأجاب الماتن قدس‌سره عن ذلك بأنه لا مانع من اجتماع الحكمين ، أعني الوجوب والاستحباب في مورد واحد بعنوانين ، لجواز اجتماع الأمر والنهي إذا كان‌

۴۴۶