مختصّة بصورة خوف الضرر على تقدير تركها ، إلاّ أن سبر الروايات الواردة في هذا الباب المرويّة في الوسائل في أبواب مختلفة كباب العشرة من كتاب الحج ، وفي كتاب الأمر بالمعروف وكتاب الايمان يشهد بعدم تمامية هذا المدعى ، لاطلاقاتها وعدم كونها مقيّدة بصورة الخوف على تقدير تركها.

فبناء على ذلك لا بدّ من حمل ما ورد من أنه ليس منّا من لم يجعل التقيّة شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجية مع من يحذره (١) على التقيّة بهذا المعنى الأخير كما في حضور مجالسهم والصلاة معهم ، لأنها التي لا يعتبر فيها خوف الضرر ، ولا يمكن حملها على التقيّة بالمعنى المتقدم في ترك الواجب وفعل الحرام لتقومها بخوف الضرر كما مر ، ولا خوف من الضرر مع من يأمنه أو في التقيّة في الباطن كما هي المراد من قوله عليه‌السلام « شعاره ودثاره » أي في باطنه وظاهره ، ومن هنا يحرم على المكلف الارتماس في الماء في نهار شهر رمضان إذا كان عنده من العامة من لا يخاف منه على نفسه ولا على غيره ، وهذا وإن كان حملاً للرواية على غير ظاهرها إلاّ أنه مما لا بدّ منه بعد عدم إمكان التحفظ على ظهورها. على أنها ضعيفة السند فليلاحظ.

الجهة التاسعة : هل التقيّة بالمعنى الأخير تختص بزمان شوكة العامّة واقتدارهم وعظمتهم كما في أعصار الأئمة عليهم‌السلام أو أنها تعم عصرنا هذا وقد ذهب فيه اقتدارهم ولم تبق لهم تلك العظمة على نحو لا يخاف من ضررهم ، فلو تشرف أحدنا سامراء مثلاً استحب له حضور مساجدهم والصلاة معهم ، إلى غير ذلك من الأُمور الواردة في الروايات المتقدمة؟ لم نعثر على من تعرّض لهذه المسألة إلاّ المحقق الهمداني قدس‌سره حيث تعرّض لها واختار اختصاصها بزمان اقتدارهم وأيام عظمتهم (٢).

والصحيح عدم اختصاص التقيّة بوقت دون وقت ، لأن اختصاصها بعصر شوكتهم إنما يتم فيما إذا أُريد من التقيّة معناها المتقدم المتقوم بخوف الضرر ، حيث‌

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٢١٢ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٤ ح ٢٩.

(٢) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ١٦٦ السطر ١٤.

۴۴۶