بل ذكرنا أن مقتضى الحث والترغيب أن يكون الدخول معهم في الصلاة اختيارياً للمكلف ، فهو مع تمكّنه من الصلاة المأمور بها يصلي معهم إظهاراً للموافقة وتحسب صلاته هذه صلاة واقعية ، ولو كان ذلك بداعي التقيّة وأن لا يعرف المصلي بالتشيّع عندهم. ففي بعض الروايات أنه قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يحسب لك إذا دخلت معهم وإن كنت لا تقتدي بهم مثل ما يحسب لك إذا كنت مع من تقتدي به » (١).

بل بعضها كاد أن يكون صريحاً فيما ادعيناه ، كما دلّ على أن من صلّى معهم في الصف الأوّل كان كمن صلّى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) لدلالته على استحباب الصلاة معهم في الصف الأول مطلقاً وإن لم يتمكن المكلف من السجود على ما يصح السجود عليه في ذلك الصف بخلاف غيره من الصفوف كما يتفق ذلك كثيراً فهذا الوجه ساقط.

الثاني : أن التقيّة قد أُخذ في مفهومها خوف الضرر كما تقدم غير مرة ، ومع تمكن المكلف من الإتيان بالوظيفة الواقعية لا يحتمل الضرر في ترك التقيّة ، إذن لا مناص من اعتبار عدم المندوحة حال العمل تحقيقاً لمفهوم التقيّة ، فإنه مع وجود المندوحة لا تحقق للتقيّة.

والجواب عن ذلك : أن الوجه في الحكم بصحة العبادة المأتي بها تقيّة إن كان هو الأخبار العامة الواردة في التقيّة فحسب كان لهذا الكلام مجال ، إلاّ أن الأمر ليس كذلك ، لوجود الأخبار الخاصة الآمرة بالصلاة معهم وعيادة مرضاهم والصلاة في عشائرهم كما تقدّم (٣) وهي أخص مطلقاً من عمومات التقيّة كما لا يخفى ، فيخصصها بغير العبادات من موارد التقيّة.

وأمّا في العبادات فلا يعتبر في صحّة العمل المأتي به لأجل المتابعة للمخالفين احتمال الضرر عند تركه ، بل لا بدّ من الحكم بصحّتها ولو مع عدم احتمال الضرر‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٨ : ٢٩٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ٣ ، ٤.

(٣) في ص ٢٥٢.

۴۴۶