مفضياً إلى الضرر على نحو التدريج (١).

وفيه : ما تقدّم من أن التقيّة متقومة بخوف الضرر الذي يترتب على تركها ، ومع العلم بعدم ترتّب الضرر على ترك التقيّة لا يتحقق موضوع للتقية كما مر.

وعليه فالصحيح أن يمثل للتقية المستحبة بالمرتبة الراقية من التقيّة ، لأن لها كالعدالة وغيرها مراتب ودرجات متعددة ، وهذا كشدة المواظبة على مراعاتها حتى في موارد توهم الضرر فضلاً عن موارد احتماله لئلاّ يذاع بذلك أسرار أهل البيت عليهم‌السلام عند أعدائهم ، ولا إشكال في استحباب ذلك مع تحقق موضوع التقيّة وهو احتمال الضرر ولو ضعيفاً.

ويشهد على ذلك ما رواه حماد بن عيسى عن عبد الله بن حبيب ( جندب ) عن أبي الحسن عليه‌السلام « في قول الله عزّ وجلّ ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ قال : أشدكم تقيّة » (٢) فان ذلك وإن كان من أحد مصاديق التقيّة فإن التقيّة قد تكون من الله سبحانه وقد تكون من العامة وغيرهم ، إلاّ أن الرواية تدلنا على أن من كان شديد المواظبة على التقيّة فهو أتقى وأكرم عند الله ، وهذا كاف في رجحان شدة المواظبة على التقيّة.

ويمكن التمثيل للتقية المستحبة أيضاً بما إذا أُكره مكره على إظهار كلمة الكفر أو التبرِّي من أمير المؤمنين عليه‌السلام بناء على أن التقيّة وقتئذٍ بإظهار البراءة أرجح من تركها ومن تعريض النفس على الهلاكة والقتل كما يأتي عن قريب إن شاء الله.

وقد تتصف التقيّة بالمعنى المتقدم بالكراهة ، ومرادنا بها ما إذا كان ترك التقيّة أرجح من فعلها ، وهذا كما إذا أُكره على إظهار البراءة من أمير المؤمنين عليه‌السلام وقلنا إن ترك التقيّة حينئذٍ وتعريض النفس للقتل أرجح من فعلها وإظهار البراءة منه عليه‌السلام كما احتمله بعضهم. وكما إذا ترتب ضرر على أمر مستحب كزيارة‌

__________________

(١) رسالة في التقيّة : ٣٢٠ السطر ٢٠.

(٢) الوسائل ١٦ : ٢١٢ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٤ ح ٣١.

۴۴۶